ننتظره بفارغ الصبر آخر كل شهر شوقا لاحتضانه بأيدينا لأيام معدودة ثم نسلمه مجبرين لغيرنا تلبية لاحتياجاتنا الأساسية دون الالتفات للثانوية منها... إنه الراتب الذي يحضر متأخرا ويغادر مسرعا ليفرج أزمة مصروفات ويخلف أزمة مديونيات أسرية جديدة وذلك لفشل المحاولات الترشيدية الاستهلاكية الخجولة أملا في التغلب على موجات الغلاء المتجددة دوما والتي تذهب ضحية لها رواتبنا. "أحمد الغامدي" يؤكد أنه يحرص على توزيع راتبه قبل أن يتسلمه فجزء يخصصه لإيجار المنزل وآخر لسداد فواتير الهاتف والمحمول والكهرباء والماء وجزء لتوفير المستلزمات الغذائية والنثريات ولكن كل هذا التوزيع لراتبه قد لا يمنعه من الاستدانة عند حلول منتصف الشهر. أما المتقاعد "علي السفياني" فيقول: راتبي في حدود الألفي ريال وأفراد أسرتي ثمانية ولا استطيع الوفاء باحتياجاتهم برغم دعم أهل الخير اليسير الذي نفرح به كثيراً رغم أنه لا يحل مشاكلنا. ويؤكد الموظف "سالم العتيبي" على أن المجتمع لم يتعود إتباع ميزانيات متقشفة أو مرشدة فنحن شعب اعتاد على الصرف بدون وعي والدليل ما نراه في المحلات التجارية والأسواق ليلة نزول الراتب فالغالبية يتسابقون على الشراء وكأننا في ليلة العيد. "عادل السالمي" يقول: راتبي عشرة آلاف ريال يذهب ثلثه لتسديد قرض الأسهم المنهارة سابقا وبقية الراتب اقسمه على متطلباتي الأخرى كالإيجار والفواتير وخلافه وأتصدق بجزء قليل جدا لتحل البركة والحمد الله الأمور مستورة والقادم لعله يكون أفضل بمشيئة الله تعالى. ويشير بحسرة "مساعد الثبيتي" إلى نقطة هامة في هذا الخصوص وهي المتعلقة بإحساس فلذات أكبادنا بالفروق الفردية المادية بين أقرانهم داخل الفصول الدراسية، مما قد يزيد الأمر سوءاً لأننا مطالبون كآباء بتوفير جميع الاحتياجات الخاصة بأولادنا لكي نربيهم على الكفاف والتعفف وعدم سؤال الناس. ونقل لنا المعلم "عبدالعزيز الوقداني" رأي الأبناء حول ذلك من غرفة الصف حين قال:ناقشت مع طلابي في المرحلة الثانوية مسألة عدم كفاية رواتب أولياء أمورهم فتمحورت آراء غالبيتهم عند ضرورة التخفيف من الأعباء والمطالبات المادية الملقاة على آبائهم عبر التنازل عن طلباتهم الشخصية شبه الأساسية مع البحث عن وسائل جديدة للتوفير وهذا يدل على أدراك هؤلاء الطلبة لهذه الإشكالية المؤرقة لكافة الأسر السعودية. (العلاج بأيدينا) وفيما يتعلق برأي المختصين يشير "عبدالعزيز الحارثي" الباحث في لاتطوير المالي والإداري إلى محاور هامة حين قال: لاشك أن أزمة غلاء الأسعار طالت أرباب البيوت وبخاصة كبار السن أصحاب رواتب الضمان الاجتماعي ثم يليهم الموظفون حيث باتت هذه الرواتب عاجزة عن تغطية الاحتياجات الأساسية للأفراد، مشيراً إلى أن الوضع متشعب ويشترك فيه مسببات متنوعة فنحن لا نزال نعاني أزمات حياتية كثيرة كأزمة السكن وأزمة أمية الترشيد الاستهلاكي حتى تجاوزت مصروفاتنا حد مداخلينا المحدودة والمعتمدة أصلا على رواتبنا التي نتخلص منها دون تخطيط مالي متزن يفصل ضرورياتنا من كمالياتنا الاستهلاكية إضافة إلى انغماسنا في مفاهيم وراثية مغلوطة في الكرم كما نفعل مع ضيوفنا فقيمة وليمة في حدود الألف وخمسمائة ريال للضيف الواحد تبقى آثارها السلبية على راتب الشهر التالي ضريبة لعدم اللوم والانتقاص الوهمي للمضيف، إذاً نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب على مستوى التفكير المالي والمعيشي عموما وليكن لنا عبرة وعظة في العمالة الأجنبية ذات الأجور البسيطة والتي استطاعت بسهولة مواءمة احتياجاتها وفقا لظروفها وليس شرطا استنساخ عقليتهم الاستهلاكية، بل يجب أن نستفيد من ذلك في ضوء احتياجاتنا الحقيقية، ولنبدأ مثلا بتعليم أبنائنا ذلك من خلال إعطائهم مصروفاً شهرياً معقولاً ونطلب منهم اقتراح خطة صرف توافق ما يحتاجونه وهذه من أهم الخطوات الإصلاحية لحياتنا المادية الأسرية وبالتكرار والعزم الصادق سينجح الجميع بدلا من أن ننتظر السماء تمطر ذهبا فلنبادر لفعل شيء على المستوى الشخصي وبالتالي سنلمس الفرق الايجابي وسنحقق الرضاوالإشباع الذي نرنو إليه بمشيئة الله تعالى في شتى شؤون حياتنا دون عناء.