التقاليد السائدة في المجتمع قد تتساهل مع الرجل في حال قرر الزواج وهو في سن الخمسين، لكنها تظل قاسية جدا على المرأة فيما لو فكرت بالاقدام على الفعل نفسه، هكذا تقول السيدة فاطمة عبد الرحمن التي تجاوزت الخمسين من عمرها، وقد ترملت منذ اكثر من خمسة عشر عاما، وحرمتها التقاليد من الاقتران برجل آخر، لان المجتمع يريدها ان تظل مع اطفالها، لكنها بعد هذه السنوات وجدت نفسها وحيدة، حيث تزوج ابناؤها وبناتها، وتركوها وحيدة تعيش على ذكريات بعيدة. وتقول انها اليوم اكثر جرأة في مواجهة المجتمع وتقاليده، ولن تمانع في الاقتران من رجل مناسب في هذه السن، لانها لا تريد ان تظل وحيدة الى الابد، مشيرة الى ان نفسية الرجال والنساء تتغير بعد الخمسين، ويكون التفكير بالحياة عقلانيا اكثر مما هو عاطفي، بسبب تراكم الخبرة والتجربة لديهما. بعكس الشباب الذين يعتمدون في حياتهم على الصح والخطأ، والاخطاء التي قد يرتكبها الشباب في حياتهم، لا يجوز ان تتكرر عند الازواج بعد سن الخمسين، فطلاق الرجل او المرأة في هذه المرحلة العمرية قد ينعكس سلبا على ما تبقى من حياتهم، ويمكن ان يأتي بآثار نفسية واجتماعية خطيرة. لكن سعيد حلاوة المتقاعد حديثا من عمله كمعلم يقول ان عمره ستة وخمسون عاما، وقد قرر الزواج بسيدة كانت زميلته، وهي متقاعدة ايضاً، فزوجته توفيت منذ ثلاثة اعوام بسبب مرض خبيث، ويشعر انه بحاجة الى من يرعاه ويعتني بشؤونه. ويرى سعيد ان حياته الزوجية المقبلة لن تكون سهلة، فهو تعود على نمط حياة معين مع زوجته الراحلة استمر قرابة ثلاثين عاما، ويبدو من الصعب ان تستطيع زوجته الجديدة تغيير ما تعود عليه، ثم ان العملية لن تكون سهلة مع الزوجة، فهي لم تتزوج من قبل، وقضت سنوات طويلة من عمرها خارج اي سلطة مباشرة لرجل، بعد ان توفي والدها، وتغرب شقيقها، معتقدا ان المطلوب منه ومن زوجته ان يتعارفا جيدا، وان يصفح كل منهما اخطاء الآخر، حتى تستقر حياتهما. ويضيف ان لهفته على الزواج اليوم، لا تشبه لهفته في المرة الاولى، فهو اليوم مطالب بتسهيل كل المعوقات، فيما كان في المرة الاولى يعتمد على والديه، حتى انه كان لهما رأي في اختيار زوجته الاولى. الا ان منيرة حمدان ترى القضية من زاوية اخرى، فهي تقول ان المرأة في هذه السن المتقدم نسبيا تكون بحاجة للزواج اكثر من حاجة الرجل نفسه، فهي تحتاج لمن يرعاها ويوفر لها احتياجاتها، خاصة اذا كان اولادها قساة القلوب، وانا اقصد هنا النساء الارامل اللواتي يعشن بمفردهن، وعلى المجتمع ان يتفهم طبيعة احتياجات المرأة في هذه السن، خاصة وهي تعتقد انها تحثُ الخطى باتجاه سن اليأس والشيخوخة. وتعتقد منيرة ان المرأة العاملة او المتقاعدة، اي تلك المرأة التي تملك دخلا اقتصاديا خاصا بها، هي اكثر طلبا لدى الرجال الباحثين عن زوجة تجاوزت الخمسين، كونها قادرة على المشاركة بعبءء الحياة الاقتصادية، وفرص النساء غير العاملات هي اقل من غيرهن، لان معظم الرجال في هذه السن يذهبون للعيش على رواتبهم التقاعدية، وقليل منهم المستمرون في اعمالهم. وترى ان من حق المرأة المطلقة او الارملة او العانس ان تتزوج، بغض النظر عن سنها، فهذا حق كفلته لها الشرائع والقوانين، وعلى المجتمع ان يعترف بهذا الحق الانساني. من جهته يقول الحاج ابراهيم الصادق وقد اقترب عمره من نهاية الخمسينيات ان زوجته اصيبت بمرض منعها من ممارسة حياتها بشكل عام، وحياتها الزوجية بشكل خاص، فجمعت ابنائي وبناتي واعلنت لهم رغبتي بالزواج من امرأة اخرى، ففوجئت ان احدا منهم لم يعترض، بل كانوا ينتظرون مثل هذا القرار، لكنهم تساءلوا عن هوية الزوجة الجديدة، ومدى امكانية مساعدتي في اختيارها. ليس سرا القول انني بدأت اتصرف كمراهق، وبدأت ارسم ملامح الزوجة المقبلة، وانتظر اليوم الذي يتم فيه اقتراني بها، اي انني بدأت اتصرف تماما مثلما تصرفت في المرة الاولى، دون ان يكون للسن او التجربة اي دور في كبح مشاعري او الحد منها، معتقدا ان هذا حق طبيعي لي، خاصة وانني لم اذهب الى طلاق زوجتي الاولى، رغم انني لم استشرها. ويضيف ان اصدقاءه من ابناء جيله بدأوا يغبطونه على هذا القرار، وربما تمنوا في داخلهم ان يتزوجوا هم ايضا، لان تجديد الزوجة، كما يقول، يساعد في تجديد الحياة نفسها، مضيفا ان آباءنا واجدادنا كانوا يتزوجون وهم في سنوات متأخرة، ولم يكن اي منهم يشعر بالحرج وهو يقرر الاقتران بسيدة اخرى، حتى لو كان لديه ثلاثة غيرها. الخبيرة الاجتماعية الدكتورة ميسون خالد لا ترى في زواج من تجاوزوا الخمسين اي خلل نفسي او اجتماعي، فهو يندرج ضمن العادات الطبيعية للمجتمعات، مؤكدة ان النساء والرجال في الغرب يتزوجون في مثل هذه السن، دون ان يكون هناك اي عائق، خاصة لمن تجاوزوا قضية الرغبة بالانجاب.