ظل الاهتمام بدعم الائتمان التجاري، الغاية المهيمنة على تفكير المشرع في ظل أفكار الرأسمالية التجارية، ثم الرأسمالية الصناعية، حيث ساد مبدأ المنافسة الحرة وما تقتضيه من نتائج. وإذا كان الائتمان أحد أهم مقومات التجارة بمعناها الواسع، وبأشخاصها، من أفراد، وشركات، وبنوك. فإن نظام الإفلاس الحديث هو صمام الأمان للائتمان التجاري الذي بدونه يصاب بمقتل. لكن هل من المقبول، من الناحية القانونية والعملية اللجوء لخيار الإفلاس على النحو الذي حدث مؤخراً من قبل بعض البنوك الأمريكية (وهي شركات مساهمة) عندما تم بمعزل عن علم بعض الشركاء وأصحاب الحقوق من المساهمين، وتسبب في الهزة المالية التي ضربت أسواق المال العالمية؟. الواقع أن ما حدث يعد مخالفة لقانون الإفلاس العريق الذي ترتد جذوره إلى أحكام القانون الروماني. فالتحليل السليم لقواعده العالمية يوضح بجلاء أنه ليس من السهولة اللجوء لخيار الإفلاس للخروج من مجرد أزمة مالية دون مراعاة القواعد القانونية والقضائية، ومراعاة مصالح الشركاء والدائنين. فنظام الإفلاس يقوم على فكرة تحقيق العدالة بين الدائنين، وحماية المعاملات التجارية من الاضطراب. وهو لا يطبق إلا بين الدائنين والمدينين بدين (تجاري) فقط. بينما الطرف الآخر في أزمة الائتمان العقاري (سبب المشكلة) هم من الأشخاص العاديين. ولا يتم إشهار الإفلاس إلا تحت إشراف القضاء. ويعتمد على التدرج بهدف حماية المنشآت التجارية من الهلاك والتصفية، وتجنب حدوث اضطراب في التعاملات التجارية. فهناك الصلح الواقي من الإفلاس الذي يهدف إلى تصحيح مسار المؤسسة المنشأة التجارية قبل انهيارها، وهناك المهلة القضائية، وقاضي التفليسة، ومأمور التفليسة، وممثل اتحاد الدائنين، وضمان إعلامهم بكافة الإجراءات، وتحقيق المساواة بينهم. والخروج على هذه القواعد يعد جريمة في نظر أغلب القوانين، أو إفلاس (بالتدليس والتقصير). والمفلس في هذه الحالة، يجرد من حقوقه السياسية والمدنية حتى لو لم يصدر بشأنه حكم جنائي. وعليه، فإن أي حديث عن إصلاح النظام المالي العالمي، وتلافي الإضرار بالتعاملات العالمية التجارية والمالية، لا تعتمد فقط على ضخ مزيد من السيولة في البنوك والشركات فقط. وإنما لا بد أن تستند إلى ضمانات تشريعية صلبة تستند إلى القواعد التجارية والمالية العادلة. مع مراجعتها وتقويتها لسد مواطن الخلل التي تتسبب في الأزمات المالية العالمية.