أهم أهداف الأسواق المالية تعزيز ثقة المستثمرين، لأنها الخطوة الأولى في تحقيق الاستقرار، ومتى ما فقدت هذه الثقة فإن الأسواق المالية تعيش في فوضى تنتهي بالانهيار. وترتبط ثقة المستثمرين بدرجة المخاطرة في الأسواق المالية. ويعد الاستقرار في السوق المالية مقياساً لدرجة المخاطرة، فكلما كانت السوق المالية مستقرةً؛ كلما انخفضت درجة المخاطرة، والعكس صحيح. في هذا المقال نقارن بين درجة المخاطرة في سوق الأسهم السعودية بمثيلاتها في 65سوقاً عالميةً خلال الفترة من يناير 2006م إلى سبتمبر 2008م. طريقة قياس درجة المخاطرة تقاس درجة المخاطرة بحجم التذبذب في قيمة المؤشر العام للسوق المالية، ويتم ذلك عن طريق حساب ما يعرف بالانحراف المعياري "Standard Deviation"، ونظراً للاختلافات الكبيرة بين متوسطات قيم المؤشرات بسبب تفاوت أحجام هذه الأسواق فلا يمكن الاعتماد على الانحراف المعياري لقياس التذبذب، بل لا بد أن تتم عملية المقارنة من خلال ما يعرف بمعامل التباين "Coefficient of Variance"، ويمكن تعريف هذين المعيارين بالآتي: أ - الانحراف المعياري: مقياس لدرجة تشتت (بُعد) البيانات عن وسطها الحسابي، وهو يعد مقياساً جيداً لمقارنة درجة الاستقرار بين المتغيرات المتجانسة، مثلاً مقارنة درجة استقرار السوق المالية السعودية خلال عام 2006م بدرجة استقرار السوق في عام 2007م. ب - معامل التباين: هو ناتج قسمة الانحراف المعياري على المتوسط، ويستخدم عادة للمقارنة بين المتغيرات شديدة التباين في قيمها، فعلى سبيل المثال. قد لا يكون من المفيد استخدام الانحراف المعياري في حالة المقارنة بين قيمة المؤشر في سنغافورة (بالمئات)، وقيمته في السعودية (بالآلاف) وقيمته في الأرجنتين (بعشرات الآلاف)، لأن نتيجة المقارنة لن تكون دقيقة نظراً للتفاوت الكبير في قيم المؤشرات في الأسواق المالية العالمية. النتائج كما يتبين من الرسم البياني أدناه فإن درجة المخاطرة في سوق الأسهم السعودية هي الأعلى من بين الأسواق المالية العالمية محل الدراسة. فقد بلغ معامل التباين في سوق الأسهم السعودية 1.29نقطة، أي أن درجة تذبذب المؤشر العام في سوق الأسهم السعودية تمثل 129.4في المئة من متوسط قيمة المؤشر. وجاءت سوق الأسهم الماليزية في المرتبة الثانية بحوالي 0.97نقطة، ثم السوق السنغافورية بحوالي 0.67نقطة، ثم السوق الإيرانية بمقدار 0.44نقطة. وخليجياً، جاءت سلطنة عُمان في المرتبة السابعة بمقدار 0.31نقطة، ودولة قطر في المرتبة السادسة عشر بمقدار 0.20نقطة، وسوق أبو ظبي للأوراق المالية في المرتبة الثامنة عشر بمقدار 0.18نقطة، ودولة الكويت في المرتبة الثالثة والعشرين بمقدار 0.17نقطة، وسوق دبي للأوراق المالية في المرتبة السادسة والعشرين بمقدار 0.15نقطة، ومملكة البحرين في المرتبة الثامنة والثلاثين بمقدار 0.13نقطة. في حين جاءت في المراتب الأخيرة (على التوالي) الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكندا، وبرمودا، وبريطانيا، والسويد، والنرويج، وإسرائيل. الأسباب من الواضح أن الاختلالات في سوق الأسهم السعودية كبيرة ولا يمكن إخفاؤها أو التقليل من آثارها السلبية على الاقتصاد الوطني. وتتلخص أهم العوائق أمام تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار في السوق المالية السعودية فيما يلي: 1- سلوك المتعاملين وقلة الوعي الاستثماري، مما يجعلهم يقدمون على شراء الأسهم بأعلى من قيمها الحقيقية، أو بيعها بأقل من قيمها الحقيقية. 2- قلة الاعتماد على المدخرات الحقيقية والاعتماد بشكل أكبر على القروض والتسهيلات. 3- لوائح وأنظمة السوق، وآليات تطبيقها، ومراقبة السوق، وتطبيق الجزاءات على المخالفين، بما في ذلك الإشهار. 4- ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية ذات العلاقة بالسوق المالية. 5- ضعف الشفافية، وانخفاض مستوى حوكمة الشركات المتداولة في السوق، بما في ذلك تضارب المصالح. الحلول أولاً: نشاط السوق الحقيقي لا يمكن الفصل بين ثقة المستثمرين في السوق المالية وثقتهم في الشركات المدرجة فيها، لذا لابد من دعم أنشطة السوق الحقيقية من خلال دعم الشركات المدرجة فيها، وبالتالي زيادة ربحية السوق لتتناسب مع القيمة السوقية الفعلية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال ما يلي: 1- رفع مستوى الرقابة المحاسبية على الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية. 2- تشجيع الشركات على توزيع الأرباح لأن غالبية المتعاملين في السوق المالية يؤمنون بما يحصلون عليه أكثر من إيمانهم بالأرباح الدفترية المحتجزة. 3- دعم ربحية الشركات المدرجة في سوق الأسهم وذلك من خلال: أ) تقديم الدعم الفني في المجالات الإدارية والمحاسبية والتشغيلية. ب) تشجيع الشركات على تطوير مواردها البشرية من خلال المساهمة في تكاليف تدريب وابتعاث العمالة الوطنية. ت) المساهمة في تكاليف البحث العلمي. ث) تشجيع الشركات القائمة على التعاون فيما بينها في مجالات التبادل التجاري وتبادل الخبرات والمعلومات والبيانات. ج) وضع التشريعات والتنظيمات المتعلقة باندماج الشركات المدرجة فيما بينها أو بشركات أخرى قائمة، أو إنشاء شركات جديدة. ثانياً: أنظمة ولوائح السوق هنا ينبغي أن يكون المشّرع لسوق الأسهم السعودية ديكاردياً وينطلق من مقولة "أنا أفكر، إذن أنا موجود،" لأنه أمام حالة خاصة جداً. فخلال الفترة من عام 2002م إلى 2006م ارتفع المؤشر العام لأسعار الأسهم بمتوالية هندسية من 2000نقطة إلى 4000نقطة إلى 8000نقطة إلى 16000نقطة (أي أن قيمة المؤشر تتضاعف من سنة لأخرى) بسبب ارتفاع أسعار النقط، ونمو إجمالي الناتج المحلي، ودخول أعداد كبيرة من المتعاملين في السوق، وانخفاض مستوى الرقابة. كل هذه العوامل تجعل المشّرع غير مجبر على بناء نظام السوق على مجموعة من المسلمات المعمول بها في معظم الأسواق المالية العالمية. لقد عايشنا تلك الفترات - وتحديداً عامي 2004م و2005م - وكان الجدل يدور بين الاقتصاديين حول ما إذا كان من الرشد الدخول في سوق الأسهم السعودية أم لا. واختلت مفاهيم العديد من الاقتصاديين نتيجة للمستويات غير المنطقية التي كان يسجلها المؤشر العام لأسعار الأسهم. وقبل انهيار فبراير 2006م وصل مكرر ربحية سوق الأسهم السعودية إلى 132(أي أن السوق يحتاج إلى 132سنة لاستعادة قيمته الاسمية) فأي واحدٍ من الأحفاد سيستعيد قيمة السهم. وبما أننا أمام حالة خاصة، فعلى المشّرع أن يستخدم كل الوسائل للحد من عمليات المضاربة وتعزيز الاستقرار، وذلك من خلال ما يلي: 1- منع بيع الأسهم إلى بعد فترة زمنية (ساعات أو أيام) من عمليات الشراء، ويكون لهيئة سوق رأس المال تحديد الفترة المناسبة للحد من عمليات المضاربة. 2- الحد من تضارب المصالح في مجالس إدارات الشركات المدرجة في السوق، لأن هناك الكثير من المحاذير التي قد تضعف من مستوى الشفافية في السوق المالية. 3- حظر تسييل المحافظ عند انخفاض قيمة المؤشر عن حد أدنى تضعه هيئة سوق رأس المال. أو عند انخفاض قيمة المؤشر بنسبة معينة عن قيمته عند منح القرض، لأن ذلك سيحمى المتعاملين من الضياع الكامل لاستثماراتهم، وسيجبر البنوك على تحمل جزء من المخاطر في الحالات الاستثنائية، وسيحافظ على القيمة العادلة للسوق. ففي الحالات التي ترتفع فيها قيمة المؤشر عن القيمة العادلة ستتجنب البنوك التوسع في منح القروض على الهامش (القروض بضمان الأسهم) لارتفاع الجزء الذي تتحمله البنوك من المخاطرة، بينما ستتوسع البنوك في منح القروض عند انخفاض قيمة المؤشر بسبب انخفاض مستوى المخاطرة. * مستشار اقتصادي