ولد علي عبدالكريم في مجتمع يتعاطى ويتاجر بالمخدرات بشكل علني.. وبأسعار تناسب سكان البلدة.. فكل أنواع المخدرات يمكنك الحصول عليها بكل سهولة ودون عناء البحث أو حتى الخوف. "علي" الذي ولد وعاش في بلدة القديح التابعة لمحافظة القطيف بالمنطقة الشرقية كان يعيش في أسرة محافظة. وبحكم أنه أكبر اخوانه فضل العمل في وقت مبكر، وفعلاً دخل "دورة عسكرية" وبعد مرور (45) يوماً من الدورة جاء لزيارة أهله، ثم ذهب إلى زيارته اخته الكبرى التي يعد زوجها من كبار مروجي المخدرات في المنطقة وصاحب صيت كبير في ترويج الحشيش.. ولأن أخته الكبرى التي توفيت في اشهر حادث للحريق حدث في تلك المنطقة تعرف جيداً حال زوجها وكانت تمنع اخوانها من الحضور لها، وتؤيد الأم كلامها حرصاً على الأبناء من الضياع والدخول في المجهول وظلام المخدرات، إلا أن تلك الليلة التي حضر للسلام عليها كانت بداية جديدة لحياته، حيث وجد مجموعة من المتعاطين من أهل المنطقة يجلسون مع زوج اخته يتعاطون الحشيش المخدر، ولم يستطع أن يظهر خوفه من الموقف.. بل انه لم يتردد من تلقي "سيجارة الحشيش" الأولى ليدخل عالم الإدمان. "قشر البرتقال" ظل علي على حاله في مجلس زوج اخته يتناول السيجارة تلو الأخرى حتى انتهت الجلسة وعاد الكل إلى منازلهم ليعود هو إلى بيته ولكنه في حاله من عدم التركيز والجوع ولدى دخوله البيت اتجه إلى المطبخ يبحث عن طعام.. كل شيء أمامه ولكنه فاقد التركيز. ظل يبحث عن طعام في الثلاجة وفي الإدراج حتى وقع نظره على صحن يتواجد فيه قشر برتقال وبدون أن يشعر تناول الصحن وأكد القشر ثم ذهب إلى غرفته. وفي الصباح علمت شقيقته أن علي كان مع زوجها وأصحابه ومن شدة قلقها ذهبت إلى منزل أهلها.. وصعدت على الفور إلى غرفة علي لتجده في حالة يرثى لها حيث إن علي ظل طوال اللي يتقيأ بسبب قشر البرتقال الذي أكله ليلة البارحة وقامت وغسلت الغرفة واخفت كل شيء خوفاً من شك والدتها في ابنها الكبير، بعد ذلك وجد علي نفسه كارهاً للحشيش وعاد إلى دورته وبعد خمسة أيام خرج في نهاية عطلة الأسبوع لزيارة أهله فطلب صديقه الذهاب مرة أخرى إلى زوج اخته لأنهم يحصلون لديه على الحشيش مجاناً فذهب معه واصبح هذا حال علي وصديقه عندما يخرجون في نهاية الاسبوع يقضون سهراتهم في تعاطي الحشيش المخدر، واستمروا على هذا الحال ثم تخرج واصبح لديه مال ويستطيع شراء الحشيش بنفسه. اعترافات متأخرة..! يقول علي في سرد قصته ل "الرياض": توقفت عن تعاطي الحشيش لفترة من الزمن بسبب الانقطاع الذي حدث في سوق المخدرات، واضطررت إلى تناول الخمر كبديل مؤقت لأنه ليس المهم النوع بقدر ما يهمني أن يغيب عقلي عن الواقع. ويضيف: تعرفت من خلال احد اصدقائي على الهيروين الذي وجدت فيه ما يغلب "الواقع" ويجعلني في نشوة دائمة - على حد قوله -، واستمرت الحال عدة مرات حتى وصل الأمر الى الغياب عن العمل الى ما يقارب الشهر، وبعد هذا الغياب ورغم صبر المسؤولين في العمل عني وعلى غيابي الا النهاية انتهت بفصلي عن العمل بعدها وجدت نفسي محاصراً بدون مال وجميع الوظائف التي عملت فيها كانت لا تفي بحاجتي من التعاطي، ثم انتقلت من ذلك الى عملية الترويج. وبدأ يروج عن طريق اصدقائه وكذلك اشقائه الذين ساعدوه في جمع ثروة تقدر بمليون ونصف المليون ريال في مطلع العام 1996م. وقال ان الثروة الكبيرة التي جمعتها جعلتني أعيش حياة مترفة، حيث بدأت اتعاطى الهيرويين عن طريق الأبر، مشيراً الى ان اتصل بوالده لكي يعرض عليه فكرة شراء منزل للاسرة يعيشون فيه الا ان والده رفض الفكرة بسبب ان المال الذي سيشتري فيه المنزل (حرام) كونه جمعه في تجارة المخدرات. العلاج في الخارج .. بدأ علي يفكر بالعلاج ولكن بعيداً عن المملكة فالثروة التي جمعها بدأت تذهب هباءً على المخدرات والاصدقاء والسفر.. .. شعر علي انه بحاجة الى العلاج فالخوف والقلق والألم الذي يشعر به عقب تعاطي الجرعة جعله يفكر كثيراً في التوبة والاقلاع عن تعاطي الهيروين لاسيما بعدما اخبره احد المتعاطين ان هناك عيادة في الإمارات وتحديداً في دبي متخصصة في علاج الادمان. وفعلاً حسم الأمر وذهب الى دبي وقبل ان يخلد الى النوم تعاطى حبتي (هلوسة) لعدم وجود الهيروين معه وذهب ليخلد الى النوم الا انه استيقظ في احد السجون الإماراتية، حيث علم فيما بعد انه قام بالاعتداء على موظف الاستقبال بالفندق وعندما قبض عليه عملت له تحاليل اثبتت تعاطيه لمواد مخدرة، مما حدا بالأمن الإماراتي من تحويله الى التوقيف ومن ثم الى التحقيق معه وكان الموقوفون معه يشحنونه بعدم الاعتراف، لذلك ظل سنة كاملة في السجن كموقوف دون تحويله للقضاء، في حين ان الادلة الجنائية والتحاليل اثبتت تورطه في تعاطي مواد مخدرة حتى اضطر الى الاعتراف. .. انتهت محكومية علي في سجن الامارات بعد ان حصل على عفو من الحاكم الاداري نظراً لحسن سلوكه وعاد بعدها الى المملكة واستمر في تعاطي المخدرات بعدما وجد مجموعة من اصدقائه واقاربه واخوانه يتعاطونها، وكذلك عاد الى زوجته التي صبرت عليه كثيراً الا انه قرر انهاء معاناتها معه وطلقها بالتراضي لكي تعيش مع رجل آخر بعيداً عن الادمان وظلمات المخدرات.. تجربة مريرة .. يقول علي عن تجربته انها مريرة جداً، حيث استمررت 25عاماً في التعاطي وضاع شبابي وفقد زوجته وأغضب والده ووالدته كثيراً. واضاف: عندما قررت العلاج من المخدرات اتجهت الى ابن قريتي حسين الجبني الذي يعمل مرشد تعاف في مجمع الأمل في الدمام ليساعدني في التعافي.. وفعلاً استجبت - ولله الحمد - للعلاج وجلسات الاصلاح النفسي، وبعد اسبوعين تم منحي اربع ساعات اجازة لزيارة اهلي ولكي يتأكد القائمون على علاجي اني اكثر تصميماً على استكمال مراحل التأهيل النفسي التي هي اكثر تعقيداً من اجل السيطرة على سلوكي الادماني، والتأكد من رغبتي في البعد عن اصدقاء السوء. واشار الى ان المتعافين من المخدرات بحاجة الى الخروج من عزلة "سجن المجتمع" الى الانطلاق مع حياة جديدة كلها تفاؤل.. وعمل.. والاستفادة من اخطاء الماضي.. والصدق في التوبة الى الله.. معاناة جديدة..! ويعاني علي الذي امضى على تعاطيه آخر جرعة ستة اشهر من قضية تعاطي وحيازة مواد مخدرة قبل ثلاث سنوات، ولايزال بسببها مطلوباً أمنيا في هذه القضية، حيث ان القاضي حكم عليه بالجلد ثمانين جلدة ولم يحكم عليه بالسجن حتى يحضر مع صديقه الذي تم القبض عليه في القضية نفسها.