لا شك أن المملكة تخوض هذه الأيام غمار طفرة واسعة في مجال التعليم العالي تقوم على رعايته ومتابعته وزارة التعليم العالي بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لقد رددت أرجاء الوطن بكل اعتزاز صدى هذه الطفرة بكل فخر وشموخ. ولعل أهم مظاهر هذه التحولات الجذرية المباركة ما يلي: @ ارتفاع عدد الجامعات الحكومية في المملكة من ثماني جامعات إلى أكثر من واحد وعشرين جامعة خلال أقل من أربع سنوات والتي غطت أغلب مناطق المملكة. ليس هذا فحسب بل إن لكل جامعة فرعاً أو فروعاً تغطي أهم المحافظات في كل منطقة. كما أن بعض هذه الفروع تعد العدة لإعلانه جامعة مستقلة بذاتها. @ رافق إنشاء الجامعات قيام عدد من المدن الجامعية على أحدث طراز معماري مما يجعل تلك الجامعات تشكل لآلئ وضاءة تزين جبين الوطن وتزيد البعد الحضاري في كل منطقة من مناطق المملكة. وقد روعي في تصميمها الحداثة والأصالة والجمال وشمولية الخدمات. كما عززت الدولة حفظها الله ذلك باعتماد خمسة مليارات ريال من أجل إكمال المنظومة الجامعية بسكن لأعضاء هيئة التدريس. @ إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية على أحدث ما توصلت إليه التقنية العالمية في مجال المعمار والاتصال والتواصل مما سوف يجعل منها جامعة عالمية النظرة علمية الهدف والمحتوى مرموقة المدخلات والمخرجات. ناهيك عن كونها نقطة تواصل حضاري ذات بعد إنساني. @ ركزت الجهود على أن تخدم الجامعات الجديدة التخصصات التطبيقية التي تخدم أهداف التنمية من خلال الوفاء بمتطلبات سوق العمل مما يبشر بانكشاف أزمة عدم ملاءمة مخرجات الجامعات لحاجات سوق العمل. كما أن الجامعات القديمة أصبحت ورشة عمل تسابق الزمن من حيث التحديث وإعادة الهيكلة وإعادة البناء على أسس علمية أكثر فعالية مما يعيدها إلى شبابها بهية ومنافسة. @ كما أن التعليم العالي يشمل أيضاً بالإضافة إلى الجامعات الكليات الجامعية التي تتبع عدة جهات مثل وزارات الدفاع والداخلية والعمل والصحة والحرس الوطني وغيرها. @ تبذل حكومتنا الرشيدة جهود اًجبارة في سبيل الارتقاء بالتعليم العالي وهي تتلمس في سبيل ذلك كل ما يعزز التميز والانتماء إلى ذلك القطاع الهام والمهم في صناعة مستقبل هذا الوطن وشعبه الكريم ويأتي في مقدمة ذلك الصرف بسخاء على بناء المدن الجامعية واستجلاب الخبرات وبناء الكوادر الوطنية المؤهلة ووضع البدلات والحوافز التي تصب في خانة جعل ذلك القطاع أكثر إنتاجية وجاذبية خصوصاً للمتميزين. @ فتح باب الابتعاث من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين إلى الجامعات العالمية المتميزة أياً كان موقعها مما جعل رقعة الابتعاث تمتد لتصبح عالمية المدى وليست مقصورة على دولة أو دولتين مما يضمن سريان التواصل العلمي مع مراكز التنوير العالمية إن وجدت. ولعل من أهم أهداف ذلك البرنامج تخريج كوادر مؤهلة للعمل كأعضاء هيئة تدريس في الجامعات السعودية. ناهيك عن أن وجود أعضاء هيئة تدريس متخرجين من مدارس لها فلسفات مختلفة يصب في مجال تنويع الخبرة وتلاقح الأفكار والاستفادة من ذلك التنوع. @ الجامعات الجديدة وكذلك الجامعات الأولى تحتاج إلى جذب أعداد كبيرة كأعضاء هيئة تدريس وهذا يحتاج إلى حوافز وبدلات ومرتبات تجعل العمل بالجامعات مطلوباً مما يولّد المنافسة للفوز به من قبل جمع كبير، مما يمكَّن الجامعات بدورها من الانتقاء واختيار الأفضل. @ لا شك أن صدور لائحة الحوافز والبدلات والمكافآت الخاصة بأعضاء هيئة التدريس يصب في دائرة جعل الجامعات أكثر جاذبية لمن هم على رأس العمل مما يضمن استمرارهم وعدم هجرتهم إلى قطاعات أخرى. كما أنه عامل جذب لمن هم خارج الجامعات من المؤهلين. وبما أن كل نظام جديد يصاغ صياغة قانونية تتسم بالوضوح وعدم اللبس فإن لائحة البدلات والمكافآت جاءت على غير العادة تتسم بعدم الوضوح واحتمال التفسيرات المختلفة لذلك فهي تحتاج إلى مذكرة تفسيرية تلغي اللبس وتعمم الفائدة وتوحد المسار وتبعد السلبيات مما يعزز الاستفادة منها ولعل أهم النقاط التي يحسن الانتباه إليها ما يلي: @ مكافأة نهاية الخدمة اسقطت فترة الإعادة حيث ذكر النص أنها لأعضاء هيئة التدريس من محاضر إلى أستاذ وهذا يلغي ما بين خمس إلى ثماني سنوات خدمة أعضاء هيئة التدريس كما أنه لا يساعد على استقطاب المعيدين للعمل في الجامعات مع العلم أن المعيد هو اللبنة الأساسية التي يبني منها عضو هيئة التدريس المتميز ذلك أنه يقضي فترة خمس إلى ثمان سنوات من الدراسة والتحصيل تحت متابعة الجامعة ومراقبتها. ناهيك عن أن وظيفة معيد لا يفوز بها إلا المتفوقون من الخريجين. ومن المعروف أن مثل هؤلاء عليهم منافسة شديدة وطلب كبير من قبل جمع كبير من المؤسسات العامة والخاصة، وبالتالي فإن استقطابهم من قبل الجامعات يحتاج إلى أن تشملهم مكافآت وبدلات أعضاء هيئة التدريس بما في ذلك احتساب فترة الإعادة والدراسة كخدمة لعضو هيئة التدريس تدخل في احتساب مكافأة نهاية الخدمة. @ بدل الجامعات الناشئة وبدل الندرة يحسن أن يكون لكل منها بدلاً موحداً وليكن مثلاً 40% لأن ذلك أقرب إلى الصواب وأسهل في منح البدل وأعم للفائدة وعدم التفريق بين أعضاء هيئة التدريس المتقاربين في المكان أو الندرة. @ مكافأة التميز يحسن أن تكون موحدة ولتكن مثلاً 40% من الراتب الأساسي كما يجب أن يتم تصنيف التميز بحيث يكون كالتالي: - الأستاذ الجامعي المتميز هو من يقوم بأداء جميع الأعمال والأعباء الموكلة له والمتمثلة في تدريس المقررات الجامعية ومقررات الماجستير ومقررات الدكتوراه والإشراف على الرسائل وينشر أبحاثه في المجلات الأصيلة المحكمة ناهيك عن خدمة الجامعة والمجتمع ومن يقوم بتلك الجهود بتميز يستحق مكافأة (40%) من الراتب الأساسي. - الحصول على جوائز محلية أو إقليمية أو عالمية يصرف لكل من حصل على واحدة منها مكافأة مقطوعة ولتكن مثلاً (50) ألف ريال لمن يحصل على جائزة محلية و(100) ألف ريال لمن يحصل على جائزة إقليمية و(200) ألف ريال لمن يحصل على جائزة عالمية. كما يمكن أن يحصل على المكافأة مرة أخرى لو حصل على جائزة أخرى. وبذلك سوف يتحقق التوازن بين الوفاء بمتطلبات مهام عضو هيئة التدريس وبين الحصول على جوائز. إن الحصول على جوائز مهم جداً لكنه ليس أهم من حث أعضاء هيئة التدريس على الوفاء بالعمل الأساسي الذي استقطبوا أساساً من أجل الوفاء به بتميز. @ بدل التعليم الجامعي وقدره (25%) من الراتب الأساسي ربط بتحقيق الحد الأعلى من النصاب التدريسي وهذا يصعب تحقيقه من ناحية لأن هناك تخصصات يتحمل عضو هيئة التدريس فيها أكثر من الحد الأعلى كما توجد تخصصات أخرى لا يحصل عضو هيئة التدريس فيها على الحد الأعلى إما لكثرة أعضاء هيئة التدريس أو لطبيعة المقررات أو لقلة أعداد الكلية ولكل حالة أسبابها المبررة. لذلك فإن هذا البدل يجب أن يمنح لكل أعضاء هيئة التدريس إلا من قل عبؤه عن الحد الأدنى. كما أن ذلك يجب أن يحتسب على مدار العام وليس خلال الفصول الدراسية فقط. @ تخصيص مبلغ خمسة مليارات ريال لبناء مساكن لأعضاء هيئة التدريس داخل الحرم الجامعي خطوة محمودة لأن مثل تلك الخطوة تكمل منظومة كل جامعة وننشيء أحياء نموذجية من حيث البناء ونوعية السكان. وبما أن الجامعات يزداد عددها من ناحية وتتوسع من ناحية أخرى فإن عدد الوحدات السكنية في كل جامعة لن يكفي جميع أعضاء هيئة التدريس وبالتالي نعود إلى المربع رقم واحد من حيث المطالبة ببدل سكن ولذلك فإن وجود خيارين أمام عضو هيئة التدريس يصبح أوجه وأحسن وهما إما أن يختار السكن الجامعي أو بدل السكن وبالتالي تتحقق كل المميزات بما في ذلك إنعاش القطاع العقاري واستفادة أكثر من طرف عند صرف بدل السكن. نعم إن البدلات والمكافآت التي صدرت تعتبر بحق لبنة بناءة وإضافة ممتازة وإذا كان هناك من بعض الفروض فيها فإن اللوم ينصب على القانوني الذي قام بصياغتها. ذلك أن المكافآت والحوافز والبدلات عندما تكون واضحة وجلية ولا لبس فيها فإنها تؤدي إلى الوئام والتعاون والتوافق أما إذا صيغت بأسلوب يحتمل أكثر من تفسير من قبل أكثر من طرف فإنها تؤدي إلى تطبيقات متباينة وقد تتغير هذه مع الزمن وبالتالي تصبح وسيلة للقيل والقال وهذا سوف يقضي عليه وجود مذكرة تفسيرية وإعادة صياغة وتوحيد البدل أو الحافز أو المكافأة بدلاً من جعلها على شكل فئات. لقد انتظر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الكادر الجديد بفارغ الصبر منذ مدة زمنية طويلة وفرحوا بصدور المكافآت والبدلات ولكنهم تأثروا لعدم اعتماد الزيادة في الرواتب فأصبح الفرح ممزوجاً بالتأثر وأصبحوا كمن يضحك ويدمع في نفس الوقت وبذلك ينطبق عليهم قول الشاعر الذي جاء يهنىء الخليفة بمناسبة توليه الخلافة ويعزيه في نفس الوقت بمناسبة وفاة والدة الخليفة السابق حيث يقول الشاعر بعد التصرف والتقديم والتأخير : ثغور ابتسام في ثغور مدامع كوابل غيث في ضحى الشمس قد همى وما زال الأمل معقوداً على زيارة رواتب أعضاء هيئة التدريس وهذا الأمل سببه ومنبعه الثقة التامة بقيادتنا الرشيدة التي تتلمس هموم المواطنين وتحلها وتسعى دائماً إلى خدمة العلم والعلماء. إن زيادة رواتب أعضاء هيئة التدريس هو المعول عليه في استقطاب أعضاء هيئة تدريس جدد من خارج الجامعات وهو المعمول عليه في استمرار وعدم تسرب أعضاء هيئة التدريس الحاليين. ولعل أسهل الحلول المبدئية التي تفي بهذا الغرض هو ضم بدل غلاء المعيشة ليصبح جزءاً من الراتب لجميع موظفي الدولة. إن اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - بالتعليم معلوم لدى الجميع وما الطفرة في مجال التعليم العالي إلا نتاج لذلك الاهتمام. كما أن جهود وزارة التعليم العالي وعلى رأسها معالي الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري واضحة وجلية فهي تسابق الزمن من أجل إنجاز توجيهات الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - والله المستعان ..