"الولاياتالمتحدة لديها تقنية يطلق عليها طباعة الأوراق النقدية Printing Press (أو ما يطلق عليها اليوم معادلة إلكترونية) والتي تتيح لها (الولاياتالمتحدة) إنتاج أكبر عدد من الدولارات كما تريد بدون تكلفة" مقتطف من كلمة بين برنانكي رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي في النادي الاقتصادي بواشنطن العاصمة 21نوفمبر 2002م بعنوان "الكساد ، التأكد من أنه لا يحدث هنا". الأزمة الائتمانية الحالية التي يمر بها العالم الآن لم تحدث فجأة ولكنها تشكلت على مراحل بدأت بنهاية عام 2000م وبداية عام 2001م بعد انفجار فقاعة الانترنت مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م بدلاً من دخول الولاياتالمتحدة مرحلة ركود اقتصادي قصير قد تصل إلى 6أشهر كنتيجة طبيعية لما حدث (انفجار فقاعة الانترنت) بدأت الإدارة الأمريكية ممثلة في بنك الاحتياط الفيدرالي برئاسة الن جرينسبان في محاولة لاظهار عدم تضررها من أحداث 11سبتمبر 2001م بخفض أسعار الفائدة بشكل مستمر على مدى أربع سنوات تقريباً من نهاية 2001م وحتى بداية عام 2005م إلى أن وصلت أسعار الفائدة إلى أدنى مستوى عند 1.5بالمائة لعام 2002م ونقطة واحدة بالمائة لعام 2003م، سمحت آلية خفض أسعار الفائدة لمستويات متدنية لفترة طويلة إلى جانب التسهيلات والقروض وغيرها من أدوات استثمارية أخرى من ضخ سيولة نقدية هائلة وصلت حسب مصادر وزارة الخزنة في عام 2006م إلى 26تريليون دولار خلال الفترة من عام 2000م وحتى نهاية 2005م بمعدل 5تريليون دولار سنوياً وأحدثة فقاعات متعددة وساعدت على رفع معدلات التضخم للسلع وخاصة أسعار النفط. في 7سبتمبر 2006م حذر الدكتور نوريال روبيني (Rouhini) من جامعة نيويورك وهو يهودي من عائلة إيرانية ومولود بتركيا في كلمة ألقاها بمؤسسة النقد الدولي من حدوث الأزمة الائتمانية الحالية وتوقع في ذلك الوقت ظهور فقاعة الإسكان وتعرض فاني مي وفريدي ماك للانهيار (اممت من قبل الحكومة الأمريكية بعد تهديد الصين بالتخلص من السندات التي تملكها) هذا إلى جانب انهيار ثقة المستهلكين وتدمير محافظ التحوط والبنوك الاستثمارية وحدوث أزمة مالية عالمية. في ذلك الوقت (2006م) لم يأخذ أحد بتوقعات روبيني على عكس الفترة الحالية الجميع يريد أن يسمع من روبيني، الذي لخص (نوريال روبيني) أسباب الأزمة الحالية في 9أكتوبر 2008م بقوله "إن ما حدث هو بسبب حصول أضخم فقاعة للاستدانة على الأصول وفقاعة الائتمان لم يعهدها التاريخ البشري من قبل، الزيادة المفرطة في الاستدانة والفقاعات التي حدثت ليست مقتصرة على الإسكان في الولاياتالمتحدة فقط بل أيضاً في العديد من الدول (فقاعة الإسكان) هذا بالإضافة إلى الافراط في الاقتراض من قبل المؤسسات المالية وشركات القطاع العام والخاص وتم ضخها (القروض) في العديد من الاقتصاديات محدثة فقاعات متعددة مثل فقاعة الإسكان، الرهن العقاري، الأسهم (مؤشر الداو فقد 40% من 14000نقطة العام الماضي إلى أقل من 8500نقطة بنهاية تداولات يوم الجمعة 10أكتوبر 2008م، السندات، الائتمان، السلع وصناديق التحوط انفجرت كلها في وقت واحد، محدثة أزمة ثقة سببت نقصاً في السيولة النقدية. من جهة ثانية وبحكم ترابط الاقتصاد العالمي بعضه البعض والذي يشكل فيه الاقتصاد الأمريكي النسبة الأكبر وطبقاً لمقولة إذا عطست الولاياتالمتحدة أصيب العالم بنزلة برد وهو ما حصل تماماً بحكم ترابط المؤسسات التي انهارت في الولاياتالمتحدة مع أوروبا، آسيا والشرق الأوسط. ويرى نوريال روبيني أن تتسبب الأزمة الحالية بفترة ركود اقتصادي تصل إلى سنتين في الولاياتالمتحدة والعالم على شكل (U) بدلاً من شكل (V) وهي فترة ستة أشهر من الركود الاقتصادي وقد يستمر تأثير الأزمة فترة أطول خاصة بعد تزايد المخاوف من انهيار النظام المالي الحالي يكون نتيجته ركود اقتصادي طويل قد يصل إلى عقد من الزمن على شكل (L) كما حدث لليابان بعد فقاعة العقار بنهاية الثمانينات الميلادية، وهذا ما يراه أيضاً العديد من المحللين الاقتصاديين بأن النتيجة الطبيعية بعد انخفاض حدة الأزمة الحالية هي دخول الولاياتالمتحدة والاقتصاد العالمي بفترة ركود اقتصادي لن تزيد عن سنتين على شكل (U) كما توقع روبيني لكن علينا أن نتحوط تجاه سياسة بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي القادمة مع منع فترة ركود اقتصادي عن طريق استمرار خفض أو تثبيت أسعار الفائدة (حالياً عند 1.5%) ستؤدي إلى زيادة حجم السيولة النقدية وخفض قيمة الدولار وبالتالي إلى رفع معدلات التضخم وتكرار سنياريو بداية العقد الحالي 2000م- 2001م. على كل حال التحولات التاريخية والتي يشهدها العالم اليوم على المستوى المالي، النقدي والاقتصادي من المهم أن تكون قراءتنا المستقبلية لمجريات الأمور أفضل مما نحن عليه في الوقت الحالي فالسياسات سواء كانت نقدية، مالية، اقتصادية أو حتى سياسية من التي يعمل بها وتتبعها الدول، الشركات أو الأفراد يؤخذ دائماً بالنتائج الإيجابية التي تحققها بغض النظر عن حجم الإنفاق، الخسائر أو عدد المحاولات التي تمت لتحقيقها، لذا أرى أن الأحداث التي حصلت لم تحدث صدفة أو فجاءة ولكنها تشكلت خلال فترة ليست بالقصيرة ينجو منها من لديه القدرة على قراءة الأحداث وكيفية تفاديها قبل وقوع الكارثة (خسائر مالية) التي حدثت بدون شك للعديد من المؤسسات الحكومية، البنوك، الشركات العامة والخاصة وللأفراد في منطقة الخليج والمملكة بشكل خاص بحكم موقعها كأكبر اقتصاد في المنطقة، توقعات روبيني في عام 2006م للأحداث الحالية أو توقعات روبرت شيلر (Shiller) من جامعة ييل لحدوث فقاعة الانترنت قبل وقوعها بنهاية التسعينيات الميلادية لم يكن وليد صدفة أو ضربة حظ ولكن قراءته لمجريات الأمور، تحليلها ووضع رؤيا مستقبلية تجاهها وهو ما نحتاج إليه الآن لكي نتجنب المزيد من الخسائر.