على رغم التذبذب الحاد الذي تشهده أسواق النفط منذ بداية كانون الثاني (يناير) الحالي، رفع صندوق النقد الدولي في تعديل شامل لتقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» أصدره أمس توقعاته لأسعار النفط الخام بنسبة كبيرة، وتوقع أيضاً ارتفاع أسعار السلع غير النفطية، بما فيها المنتجات الزراعية، بنسبة أكبر من ذي قبل، وعدّل توقعات تضخم الأسعار في الدول النامية صعوداً. وكان خبراء الصندوق توقعوا في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ارتفاع الأسعار العالمية للنفط في السنة الحالية بنسبة لا تزيد كثيراً على ثلاثة في المئة، وأعادوا النظر لتصبح هذه النسبة 13.4 في المئة، متوقعين أن يصل متوسط الأسعار العالمية للخامات المرجعية كخامات «دبي» و «برنت» و «غرب تكساس الوسيط» إلى 90 دولاراً للبرميل، مقارنة ب 79 دولاراً في تشرين الأول الماضي.وجاء التعديل الذي عزاه الخبراء الدوليون إلى قوة الطلب، ودفع بأسعار النفط خطوة إضافية باتجاه الذروة التاريخية التي سجلها في تموز (يوليو) عام 2008، بعدما كان انخفض بنسبة تزيد على 36 في المئة عام 2009 وارتفع بنسبة 29 في المئة العام الماضي، لكن الخبراء لا يرون مكاسب سعرية ملحوظة عام 2012، على رغم احتفاظ الاقتصادات النامية بمعدلات نمو عالية.وانسحبت أسعار النفط على أسعار السلع غير النفطية بدرجة أكبر، إذ سبق أن توقع خبراء الصندوق انخفاض هذه الأسعار بنسبة اثنين في المئة العام الجاري، بعد ارتفاعها بنسبة 23 في المئة العام الماضي، لكن اتساع حجم الأضرار التي تعرضت لها المحاصيل الزراعية بفعل الفيضانات وقوة الطلب على السلع الأخرى ساهما في تحويل الانخفاض إلى ارتفاع قوي بلغ 11 في المئة. واستبعد الخبراء تحقق توقعاتهم السابقة في شأن تراجع معدل التضخم في الدول النامية هذه السنة، بل حذّروا من احتمال تفشّي عدوى التضخم في الاقتصادات الآسيوية، بعدما انحصرت في المنتجات الغذائية عام 2010، لكنهم توقعوا أن ينخفض معدل التضخم من ستة في المئة العامين الماضي والحالي إلى 4.8 في المئة عام 2012، مستفيداً من تراجع أسعار السلع غير النفطية بنسبة 5.6 في المئة.ووصف كبير الخبراء الاقتصاديين في الصندوق أوليفيه بلانشارد التضخم ب «ضريبة نجاح» تدفعها الاقتصادات الناشئة التي تعمل بكل طاقتها، واعتبر أن مواجهتها هي عبر رفع معدل الفائدة واستخدام أدوات تشديد السياسة النقدية الأخرى، يترتب منها أن يخفض الصندوق وتيرة النمو المتوقعة في السنة الحالية لهذه الاقتصادات، ومن ضمنها الاقتصادات العربية، بمقدار نصف نقطة مئوية مقارنة بتوقعاته السابقة.لكن الصندوق رفع في تعديلاته الجديدة نسبة النمو الحقيقي المتوقعة للاقتصاد العالمي في العامين الجاري والمقبل بنحو ربع نقطة مئوية إلى 4.5 في المئة، مقتربة من نسبة النمو التي حققها العام الماضي، وبلغت خمسة في المئة. وعزا التعديل جزئياً إلى محفظتي الحفز المالي والضريبي في اليابان، وكذلك في الولاياتالمتحدة التي مددت فترة سريان قوانين الخفض الضريبي للسنتين المقبلتين. وكنتيجة للحفز الضريبي وانتعاش الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري بوتيرة أسرع من المتوقع في النصف الثاني من العام الماضي، رفع الصندوق نسبة النمو المتوقعة للاقتصاد الأميركي بنحو نقطة مئوية إلى ثلاثة في المئة هذه السنة، وإن جاء التعديل على حساب نسبة نمو العام المقبل التي انخفضت هامشياً إلى 2.7 في المئة. وعلى رغم الحفز المالي لم يطرأ أي تعديل يذكر على آفاق الاقتصاد الياباني.وحذّر بلانشارد والمستشار المالي للصندوق خوسيه فيناليس في تصريحات منفصلة بأن أهم الأخطار التي تواجه الاقتصاد العالمي والنظام المالي تتركز في احتمال انتقال عدوى أزمات الديون السيادية من أطراف منطقة اليورو إلى عمق أوروبا، بسبب انعدام الشفافية في مدى انكشاف المصارف الأوروبية على هذه الأزمات، وبالتالي حجم خسائرها المحتملة.