العلاقة بين المدخن وبين شركات الانتاج للدخان والباعة والتجار علاقة غريبة، فربما بائع الدخان هو البائع الوحيد الذي يعطيك بضاعة ويحذرك من ضررها ومع ذلك يصر المشتري بعناد على دفع المال وأخذ الداء. عديد من القوانين الدولية والأحكام والأعراف وكثير من الهيئات والجمعيات ومئات من المؤتمرات والاجتماعات والندوات والمحاضرات تبددت نتائجها مثلما يتبدد دخان سيجارة، وأقصى ما توصلت اليه الجهات صاحبة القرار مجموعة من الأحكام تلزم شركات الدخان بوضع صيغة تحذيرية للمدخن تقول إن التدخين سبب رئيسي لأمراض الرئة والقلب والشرايين فقد يتعظ المدخن، وأخذت بعض الدول مبادرات لمحاربة التدخين، كمنعه في الدوائر الحكومية والأماكن العامة ورحلات الطيران، الداخلية على الأقل، ورفعت بعض الدول من الرسوم الجمركية على الدخان، وحدت من تراخيص الانتاج أو البيع، ولجأت بعض شركات الانتاج للسجائر الى وضع صورة رجل في العناية المركزة يواجه مصيره الأخير لتخويف المدخنين، ومع كل ذلك بالمقابل زاد عدد المدخنين بدخول أعضاء جدد من الشباب والصبية، وارتفعت المعدلات لدى المدخنين القدامى بدليل زيادة أرباح هذه التجارة، وزيادة الانتاج وزيادة المبيعات. هذا الوضع الغريب تلخصه حكاية صغيرة تقول إن أحد الأصدقاء كان يشكو لصديقه من طغيان الاعلانات التحذيرية بالصحف التي يحب أن يقرأها كل يوم، يقول: "لا تفتح صفحة حتى يطالعك إعلان تحذيري عن مضار التدخين حتى خنقتنا هذه الاعلانات" ورد صديقه: "المهم، هل أجءدَت معك هذه التحذيرات؟" فرد: "طبعا مائة بالمائة" سأله: "أقلعت عن التدخين؟" فأجاب: "لا أقلعت عن قراءة الصحف". في واقعة غير مسبوقة قضت احدى المحاكم المصرية بالطلاق لزوجة شابة اسمها يسرية تحب زوجها، من الزوج (محمد) الذي قال للمحكمة إنه يحب زوجته ولا يستطيع العيش بدونها، والسبب أن الزوجة طلبت الانفصال عن الزوج لأنه يدخن في البيت، ولأنها تتضرر من الدخان حتى عن بعد. الزوج قال إنه لسنوات طويلة يدمن التدخين، وأن معظم رسوماته وتصميماته الهندسية ينجزها في البيت، وأنه لا يستطيع العمل بدون التدخين. وأن إلزامه بعدم التدخين يعني حكماً عليه بالإعدام، وفي ذات الوقت هو يحب زوجته وإبعاده عنها يعني الحكم عليه بالعذاب. رأى القاضي أن الرجل لا يستحق الاعدام فلم يحكم بمنعه من التدخين، ولكنه قد يستحق الأشغال الشاقة المؤبدة، عذابه بفصله عن زوجته، فحكم بالطلاق. أتصور لو تكررت الحالة حتى صارت تشريعا، هل يمكن أن تكون بمثابة الانذار الأخير للذين يصرون على التدخين، خاصة اذا أضيف هذا الى إعلانات التحذير لتصبح: "التدخين يضر بالصحة، وسبب رئيسي لأمراض الرئة والقلب والشرايين، وذريعة مؤكدة لحصول الزوجة على الطلاق".