استجابة للدعوة الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين لعقد مؤتمر عالمي تتلاقى فيه مختلف الأديان وتتحاور حواراً بناءً لرأب الهوة الحضارية والثقافية بين الشعوب وتوطيد أواصر التعايش السلمي وترسيخ مفاهيم التسامح ونبذ التطرف الديني والفكري بكافة صوره وأشكاله، عقد مؤتمر حوار الأديان والحضارات في العاصمة الإسبانية مدريد خلال الفترة من 16- 18يوليو 2008م، وحضره أكثر من ثلاثمائة مشارك يمثلون كافة الأديان والطوائف الفكرية والعقائدية. وفي الوقت الذي لاتزال أصداء النجاح الكبير الذي حققه المؤتمر تلقى اهتماما عالميا واسعاً حتى الآن مما دفع منظمة الأممالمتحدة الإعداد حالياً لعقد جلسة خاصة في مقر منظمة الأممالمتحدة لمناقشة وتفعيل توصيات المؤتمر. وفي محاولة للتذكير بأهمية الحدث أيديلوجياً وإعادة استقراء المبادرة والنتائج وما تحملها من دلالات ومعان، يقول الدكتور عبد الله براون أحد المشاركين في المؤتمر، إن دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لعقد المؤتمر والتي تهدف لبناء جسور التواصل والتفاهم والتعايش الحضاري بين الأديان والتيارات الفكرية والثقافية المختلفة على وجه المعمورة تمثل في حد ذاتها مبادرة كريمة غير مسبوقة من قائد يحظى باحترام وتقدير دولي على مدى التاريخ، ليضع بذلك اللبنة الأولى في صرح توحيد الإنسانية ونبذ التطرف والعنف بين أبناء الجنس البشري على اختلاف ميولهم وانتماءاتهم، كما أنها تؤكد على ماينادي به خادم الحرمين الشريفين من أهمية نشر ثقافة الحوار كمشعل ينير العقول ويعمق الإيمان والمبادئ النبيلة. ويضيف د. براون: "بيد أن أكثر ما لفت انتباهي هو انعقاد المؤتمر إنطلاقاً من قاعدة صلبة ولأول مرة تقوم على المساواة والأحترام المتبادل بين كافة الأديان دون وجود أي خلفيات معاكسة. ولعل من أهم النتائج التي تمخض عنها المؤتمر هو الإقرار بوجود اختلافات جوهرية بين الأديان لكنها يجب الا تؤدي للتناحر والمواجهة والتركيز على أهمية التعايش مع الآخر لتحل بديلاً لنظرية الإحتواء، أي توحيد العالم تحت راية احتواء دين لآخر، وهو أمر جميعنا يدرك استحالة تحقيقه". ويعتبر الدكتور براون أن مشاركته في هذا المحفل العالمي تمثل منعطفاً هاماً في حياته على الصعيد الفكري والعقائدي، مشدداً على أهمية التذكير بالنتائج الايجابية التي تحققت من هذا المؤتمر ولعل أهمهما توجيه رسالة واضحة للجميع بأهمية مثل هذه اللقاءات والتجمعات من أجل بلورة فهم حضاري للشرائع وملتقيات الديانات وكذلك لإيجاد حالة من الانفتاح الفكري على الديانات والثقافات الاخرى وترسيخ مبدأ التسامح والتعايش السلمي لما فيه خدمة الانسانية وشعوب الأرض جميعاً. أما على الصعيد الشخصي فأعرب الدكتور براون عن سعادته الغامرة بأن الفرصة قد أتيحت له للالتقاء بالعديد من قادة وزعماء الدول الذين كانت لهم مشاركة فاعلة في المؤتمر ويذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كل من: رئيس مجلس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والمرشح الرئاسي الأسبق للولايات المتحدةالأمريكية القس جيسي جاكسون، كما كانت هناك مشاركة واسعة من ممثلي كافة الأديان وقادة الفكر والرأي ودعاة السلام والتسامح في العالم. الجدير بالذكر أن الدكتور عبدالله براون وهو أمريكي مسلم، يترأس جمعية حوار الأديان الكندية وله خمس كتب من تأليفه حول نظرية مقارنة الأديان نشرت جميعها في الولاياتالمتحدة الإمريكية. وقد تلقى دعوة لحضور مؤتمر حوار الأديان بناءً على توصية خاصة من فضيلة الشيخ صالح الحصين، الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. وبعد مرور قرابة ثلاثة أشهر من انعقاده، مازال مؤتمر حوار الأديان يلقى أصداء واسعة من الرأي العام العالمي تفعالاً مع النتائج الإيجابية التي تحققت والتي تمثلت ولم شمل قادة الدين والرأي في العالم وتوحيدهم تحت مظلة هدف واحد لخلق الثقة وبناء جسور التفاهم، كما نجح المؤتمر إلى حد كبير في تمهيد الطريق ووضع الأسس لبناء نظام أخلاقي عالمي مع الابتعاد عن فكرة احتواء عقيدة أو دين لآخر.