لقد صدق من قال إن شر البلية ما يضحك، إذ أن هذه هي الحال مع ما تمارسه القنوات الفضائية، التي يمتلكها سعوديون، ويمولها سعوديون أيضاً، من تشويه سخيف ومتعمد للشخصية السعودية. أصبح لا هم لهذه القنوات، من خلال ما تبثه من مسلسلات وما تقدمه من برامج، إلا المواطن السعودي، رجلاً كان أو امرأة، تزعم هذه المسلسلات وتلك البرامج، أنها تعالج وتناقش قضايا المواطن السعودي، وهي بذلك تكتب من قبل سعوديين، ويشارك في تمثيلها أو تقديمها سعوديون، وتبث في قنوات يملكها أو يملك الكثير منها سعوديون، كما يمولها من خلال الإعلان والاتصال بالرسائل الجوالية سعوديون أيضاً، وهي معالجة يطغى عليها التسطيح في الكتابة، والسخرية في العرض، والضعف في التقديم، والنتيجة رسم صورة غير حقيقية، بل وغير واقعية، للمواطن السعودي ولقضاياه وهمومه، وليت الأمر يقف عند هذا الحد من الإضحكاك والسخرية والهشاشة والانتقائية في طرح القضايا ومناقشتها، ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى الاستخفاف بتقاليد وطرائق وأساليب حياة المواطن السعودي، وكان هذا المواطن هو الاستثناء وغيره هم القاعدة، بل وكأن ما يمارسه ويعيشه ذلك المواطن خطأ بحاجة إلى إصلاح، وما يقوم به غيره هو الحقيقة والصح الذي لا يجب أن ينال منه أو ينتقد. صحيح أن المواطن السعودي، شأنه في ذلك شأن غيره من المواطنين في كافة الأصقاع والأوطان، لديه من المثالب والأخطاء، بل والقصور والتجاوزات، ولكن الحقيقة تقول: إن هذا المواطن ليس أسوأ شعوب الأرض، بل هو لا يعتبر مختلفاً عن غيره من بني جنسه العرب إن لم يكن متفوقاً عليهم في الكثير من الأمور. إننا أمام مشكلة ليست بالسهلة كما قد يتصورها البعض، فإذا كنا نعاني وما زلنا، عرباً ومسلمين، من تشويه الإعلام لصورتنا منذ عشرات السنين، وهو تشويه ندفع ضريبته في الكثير من مناحي حياتنا، فإن ما تقوم به هذه القنوات الفضائية من خلال برامجها ومسلسلاتها الهشة ليس إلا تشويهاً لصورة المواطن السعودي، سنجد أنفسنا بعد سنوات نسعى إلى المطالبة بتحسين سمعتنا وصورتنا ليس أمام الغرب والإعلام الغربي بل، ومع الأسف الشديد، أمام الإخوة العرب. إن علينا، حكومة ومواطنين ورجال أعمال، بل ومثقفين وكُتَّاب، وتحديداً أولئك الذين يتدافعون للمشاركة في برامج تلك القنوات ألا نتذرع بحجة حرية الإعلام وانفتاح الفضاء لنترك هذه الفضائيات تشوه سمعتنا، وترسم عنا صورة سنتعب وتتعب الأجيال القادمة في تغييرها، وبالذات أن تأثير القنوات الفضائية أصبح أمراً واضحاً للجميع. إن علينا أن نسعى لوضع حد لما يجري في هذه القنوات الفضائية، وحيث أن الترجي والتوسل لأصحاب تلك القنوات لم يعد مجدياً، إذ أن ميزانية آخر العام هي الأولى لديهم، فإن التدخل الرسمي وإصدار قوانين لضبط ما يجري في ساحة الفضاء الإعلامي أصبح أمراً لا بد منه.