تستعد الفضائيات والتلفزيونات لشهر رمضان ببرامج خاصة به يغلب عليها الدراما وتتسابق في ذلك ولا تحشد برامج مثل ما تحشده لرمضان، ولا تدفع مبالغ مالية مثل ما تدفعه لتلك البرامج ولا تبث دعاية مثل ما تبثه لتلك البرامج وأكثرها يكون في فترة ما بعد الإفطار، وإلى جانب تلك الصفة الغالبة على البرامج الرمضانية صفة السخرية التي صارت بديلا لصفة الترفيه التي كانت تغلب على البرامج في السنين السالفات. والسخرية في الدراما الرمضانية سخرية منفرة ليس في مفرداتها المبتذلة أحياناً بل في مظاهر الممثلين وهو الأكثر وكأن الإضحاك أو التسلية لا يكونان الا بالنيل من الآخرين، وقد تابعت كما تابع المشاهدون ما في الدراما التي تظهر بمعالجة مشكلات اجتماعية أو انحرافات سلوكية مازجة ذلك بهزء بالمجتمع إنْ كلاَّ أو بعضاً، وبدلا من ان تكون معالجة (بكسر اللام) صارت تضحك من منطقة أو لهجة أو شريحة من المواطنين، مع انها لو قدمت الدراما باللهجة الدارجة من غير التواء في اللسان أو ازدراء لشخوص لحققت الهدف، وارتقت بالدراما من السطحية إلى عمق المعالجة. إحدى الشخصيات تصور كبار السن في إحدى المناطق بأن مظهرهم رث وثيابهم أسمال، ونفوسهم يسيطر عليها الجشع، وألسنتهم ملتوية، ولحاهم مبعثرة، و(اللفاقة) هي السياج الذي يحيط بتصرفاتهم انى ذهبوا، ولو جاؤوا بمظهر حسن كما هو الواقع، وبثياب نظيفة، ونفوس كريمة وألسنة سوية، ولحى جميلة، لكان ذلك أكثر قبولا من الناس وتأثيرا في سلوكياتهم. وإحدى الشخصيات لا ترى التسلية الا بتقمص لهجة من لهجات بلادنا تلوكها لتضحك الناس، وهو في الواقع سخرية ممن يتكلمون بتلك اللهجة، وشخصية ثالثة لا هم لها الا السخرية من مكان منطقة مظهرا ولسانا وسلوكا ورابعة لا ترى رقيِّاً دراميا إلا بالسخرية من شريحة معينة من المجتمع، ومع أن الموضوعات مكررة ولم تعد جاذبة إلا أن السخرية من المواطن (لباسا ولسانا ومكانا) لا تليق في زمن ارتقت فيه الدراما إلى توظيف التقنية في الارتقاء بها ولم تعد السخرية من الناس عنصر جذب ومتابعة. تابعت مسلسلات مصرية وأخرى سورية، تتناول التراث الشعبي أو الشأن الاجتماعي فلم أجد فيها شيئا من ذلك بل إن البرامج السورية بخاصة تقدم التراث الشعبي بلهجة معتادة وبزي تقليدي جميل، وبديكور للمساكن يقدم المعمار السوري في أحسن صورة. ليست التسلية بأن يصوّر مواطن أو شريحة بصورة مزرية أو تدعو المشاهد للسخرية منه، وليست التسلية أن نسخر من ماضينا وليست التسلية أن نظهر مجتمعنا بصورة مشوهة غير حقيقية فكفى بلادنا ومجتمعنا ما يوجه لها من إعلان جاد أو ساخر وكأنه لا هم له الا النيل منها حتى ما كان منه بأموال محلية. ليس المطلوب ان نقدم صورة كاذبة عن مجتمعنا، ولا صورة مزيفة، بل الحقيقة وحدها كما يفعل الآخرون وانظروا إلى البرامج اليابانية والكورية وغيرها كيف نقرأ صورة المجتمع منها، وللأسف أن من يتابع قناة عربية ثم يزور بلادها سيرى أن صورة الشعب في الفضاء غيرها في الأرض، فإعلامها له صورة والواقع فيه صورة أخرى هي الحقيقية.