حذر صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية من أن المستوطنات الإسرائيلية تغير الواقع الجغرافي والديموغرافي في المناطق الفلسطينية المحتلة وهو ما يتناقض بوضوح مع مبادئ القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة والتزامات خارطة الطريق ومسيرة أنابوليس. وكان الأمير سعود يتحدث أمام مجلس الأمن الدولي خلال الجلسة التي عقدها المجلس أمس على مستوى وزاري بطلب من المملكة نيابة عن دول الجامعة العربية لبحث الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال سموه في كلمته إن المستوطنات الإسرائيلية تجعل من شبه المستحيل تخيل قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة، وتجعل من الصعوبة بمكان أن تتمكن أية حكومة فلسطينية من العمل بفعالية ومن امكانية إقناع الفلسطينيين بإمكانية تحقيق السلام. وشدد سمو وزير الخارجية على أن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن ل(إسرائيل)، إلا أن الدول العربية والإسلامية تشكك في نوايا (إسرائيل) حين تمتنع عن تقديم أية مبادرة سلمية جادة وتواصل تمييع المفاوضات والقيام بالإجراءات الأحادية التي لن تحقق السلام قطعاً. وقال سموه مخاطباً الاجتماع الرفيع المستوى لمجلس الأمن: "إن الوقت يدركنا، ولحظة العمل الجاد قد أزفت، فجمود عملية السلام يزيد من جاذبية التوجهات المتطرفة، ومشاعراليأس والاحباط قد بلغت حداً بالغ الخطورة ولا بد من التعامل مع تنامي الانطباع في العالم العربي والإسلامي بأن المجتمع الدولي وهيئاته يفتقد إلى الجدية والمصداقية". وتنشر "الرياض" فيما يلي نص كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل أمام الجلسة الخاصة لمجلس الأمن لبحث الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة: أتوجه بالشكر لمجلس الأمن لإعطائنا هذه الفرصة للاجتماع ومناقشة موضوع خطير وعاجل يهدد مصداقية مسيرة السلام في الشرق الأوسط ومبدأ عمومية تطبيق القانون الدولي. لقد طلبت جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية عقد هذا الاجتماع العاجل لمجلس الأمن لمناقشة مشكلة استمرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي مشكلة تهدد بتقويض مسيرة السلام برمتها. ويحدونا الأمل بأن يرسخ هذا الاجتماع أهداف الأممالمتحدة فيما يتعلق باحترام مبادئ القانون الدولي، وأن يساعد على إنقاذ عملية السلام والمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية من الفشل. من نافلة القول إن الصراع العربي الإسرائيلي ما يزال يهيمن ويطغى على كل قضايا الشرق الأوسط، فلا يوجد صراع إقليمي أكثر تأثيراً منه على السلام العالمي. وقد فاقم المشكلة غياب النوايا الحسنة لدى الحكومة الإسرائيلية والتي بدلاً من البحث بجدية عن السلام تستمر في الاستحواذ على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وفي الإهانة اليومية للشعب الفلسطيني، وفي بناء المزيد من المستوطنات غير القانونية لإيجاد حقائق جديدة على الأرض. إن المستوطنات الإسرائيلية والتي تغير الواقع الجغرافي والديمغرافي للمناطق الفلسطينية المحتلة تناقض بوضوح مبادئ القانون الدولي، وقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، والتزامات خارطة الطريق ومسيرة انابوليس. تحاصر المستوطنات الإسرائيلية معظم مدن الضفة الغربية وتستحوذ على قرابة نصف مصادرها المائية. وفي القدسالشرقية تستمر عمليات الحفريات والإنشاءات دون هوادة، بما في ذلك ما يجري في باب المغاربة. باختصار تجعل المستوطنات الإسرائيلية من شبه المستحيل تخيل قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة مستقبلاً، وتجعل من الصعوبة بمكان أن تتمكن أية حكومة فلسطينية من العمل بفعالية أو من إقناع الفلسطينيين بإمكانية تحقيق السلام. ومن غير الأخلاقي أن تفرض العقوبات على شعب رازح تحت الاحتلال في حين تستمر سلطات الاحتلال بأنشطتها الاستيطانية آمنة من المساءلة. نحن لا نطلب أي جديد لم يسبق لإسرائيل ذاتها أن تعهدت به، بما في ذلك تعهداتها في أنابوليس. ولما كانت هذه الممارسات الإسرائيلية غير القانونية تفرغ المفاوضات من مضمونها وتجعلها بدون جدوى، فإن على إسرائيل في الحد الأدنى وقف جميع الأنشطة بما في ذلك منح تصاريح البناء. لقد تقدمت جميع الدول العربية، بما فيها السلطة الفلسطينية، بمبادرة سلام تعرض فيها إنهاء الصراع وتحقيق سلام شامل يكفل الأمن والاعتراف والعلاقات الطبيعية لجميع دول المنطقة. وهذه بالفعل تعهدات بالغة الجدية صادرة من جميع الدول العربية ولا ينبغي تجاهلها، فهي تعكس خيارها الاستراتيجي القائم على السلام. إن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق أمن إسرائيل. لكننا نشكك في النوايا الإسرائيلية حين تمتنع إسرائيل عن تقديم أية مبادرات سلمية جادة وتستمر في تمييع المفاوضات والاعتماد على الاجراءات الأحادية التي قطعاً لن تحقق السلام. لقد آن الأوان لأن تدرك إسرائيل انها لا يمكن أن تستمر في إعفاء ذاتها من التقيد بقواعد السلوك الدولي المبنية على القانون الدولي. ما نطلبه هنا هو أمر غاية في البساطة والأهمية في نفس الوقت. لقد أصدرت معظم الدول المجتمعة هنا، بما فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بيانات منفردة ضد استمرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية. ما نحتاج إليه هو اتخاذ موقف جماعي يعكس بوضوح هذا الاجماع القائم. إن الوقت يدركنا، ولحظة العمل الجاد قد أزفت، فجمود عملية السلام يزيد من جاذبية التوجهات المتطرفة، ومشاعر اليأس والإحباط قد بلغت حداً بالغ الخطورة. ولابد من التعامل مع تنامي الانطباع في العالم العربي والإسلامي بأن المجتمع الدولي وهيئاته يفتقد إلى الجدية والمصداقية. لم نطلب في هذا الاجتماع أية اجراءات عملية مثل التقدم بمشروع قرار أو حتى بيان، ولكننا نطلب إبقاء هذا الاجتماع منعقداً إلى أن تتحقق نتائج مناسبة خلال المدة المتبقية من الدورة الحالية للأمم المتحدة، وإلا فسنعود إلى هذا المجلس ونطالبه بتحمل كامل مسؤولياته بهذا الخصوص". وطالبت الدول العربية خلال نقاش على مستوى الوزراء في مجلس الامن الدولي، بانهاء الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية الذي يعتبر العقبة الرئيسية امام اتفاقية سلام في الشرق الاوسط. واعتبر الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى من جهته ان الاستيطان اليهودي "بلغ حداً من شأنه ان يقضي على كل أمل بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة". وشدد على ان "استمرار الاستيطان يحول الدولة الفلسطينية الى سراب". وبعد الاشارة الى انعدام اي تقدم على الارض رغم مفاوضات السلام الاسرائيلية - الفلسطينية الجارية منذ سنة تقريبا، دعا موسى مجلس الامن الى "تحمل مسؤولياته بحماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني". واوضح الرئيس الفلسطيني محمود عباس مستعينا بخرائط ان الكتل الاستيطانية الثلاث الرئيسية في الضفة الغربية ومنطقة القدس "لن تسمح بقيام دولة فلسطينية بما انها تقسم الضفة الى اربع" كنتونات. وتساءل "كيف عساني اقنع الشعب بضرورة السلام مع اسرائيل في حين يستمر بناء المستوطنات". وحذر من ان "البديل عن السلام هو ان سقوط المنطقة مجددا في دوامة العنف". وانتقدت سفيرة اسرائيل في الاممالمتحدة غبرييلا شاليف انعقاد الاجتماع مؤكدة انه "لا يساهم في الدفع بالسلام". من جانبه اعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ان الاستيطان "يضر" بمصداقية عملية انابوليس الجارية وينال من امكانية قيام الدولة الفلسطينية قابلة للحياة. من جهتها لم تتفوه وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بكلمة حول المستوطنات داعية الدول العربية الى الاعتراف بحقيقة دولة اسرائيل. وقالت "عليهم ان يفهموا ان اسرائيل لها موقعها في الشرق الاوسط وستبقى هناك". من جهة اخرى قال سمو الأمير سعود الفيصل في تصريحات للصحافيين بعد رفع جلسة مجلس الأمن التي بحثت في الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ان الهدف من دعوة المملكة والتي انضمت إليها الجامعة العربية لعقد هذه الجلسة هو للفت الانتباه إلى موضوع غاية في الأهمية وهو استمرار الاستيطان الإسرائيلي الذي يهدد عملية السلام برمتها. وقال سموه: "لقد سمعنا كلمات كافة أعضاء مجلس الأمن وجميعها أكد على عدم شرعية الاستيطان وتهديده لعملية السلام". وأضاف سمو الأمير سعود الفيصل: "نحن لم نطلب شيئاً في هذه المرة من مجلس الأمن سوى لفت الانتباه لهذا الموضوع، ولكن لم يعد هناك وقت أمام عملية السلام والخطر ان تتدهور، وبالتالي إذا لم يتم اتخاذ أي خطوات من قبل المجتمع الدولي في هذا الإطار وفي المستقبل القريب فإننا سنعود إلى مجلس الأمن مرة أخرى بطلب إجراءات محددة". أما الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى فقال للصحافيين عن جلسة مجلس الأمن: "كان واضحاً من كافة المداخلات في المجلس ربما باستثناء واحد أنهم جميعاً تحدثوا عن ان الاستيطان عقبة رئيسية وخطيرة في طريق السلام بالإضافة إلى عدم مشروعيته. أيضاً، كان واضحاً ان الطلب الذي تقدمت به المملكة العربية السعودية باسم الجامعة العربية لعقد الجلسة قد لاقي قبولاً عالمياً وتأييداً كبيراً جداً وهذا ماكنا نريد أولاً ان نتأكد منه وثانياً ان نؤكد عليه وان نظهره للأطراف المختلفة التي لا تريد اظهار هذا التأييد العالمي للحقوق العربية وللموقف الفلسطيني وأيضاً للموقف المعارض تماماً لموضوع الاستيطان". وقال السيد عمرو موسى للصحافيين: "نحن أتينا إلى مجلس الأمن وقلنا بأننا سنأتي ثانية إلى المجلس. الآن هذه بداية في التعامل مع موضوع الاستيطان وفشل عملية السلام وفشل أنابوليس وسوف نأتي في المرة القادمة ونطلب إجراءات معينة ومحدودة. نحن لن نترك الأمر على هذا الشكل الذي فيه وعود كثيرة وكلام كثير ولكن لا يوجد أي تقدم لا في المفاوضات ولا على الأرض".