عند السير في شارع أو ركوب مصعد في بلجراد في أي يوم من أيام أيلول/سبتمبر ستصل إلى أنفك رائحة متصاعدة من سحابة عطرية نفاذة قد لا تكون غير مستساغة بالنسبة للأجانب غير أنها بالتأكيد ستثير شهية السكان المحليين. وتكشف الرائحة المتسربة من باب مغلق عما إذا كان الجار يقلي الفلفل في خليط من زيت الطهي والماء والأعشاب أو أنه يمزج هذا الخليط بمعجون الطماطم وربما بالباذنجان. وقد يسرب باب إحدى الشرفات الرائحة الحلوة الغنية للخوخ المطهو بالسكر وقليل من الماء، بينما تتصاعد الرائحة اللاذعة من برميل أبيض بلاستيكي مغلق داخل مخزن بالطابق الأرضي لتكشف عن وجود مخلل الكرنب . هذا إضافة إلى ما تحفل به كتب وصفات الطهي من أفكار أخرى عديدة. وتمضي بعض البيوت عدة أسابيع وهي تعمل بجد في إعداد هذه الأطعمة الرائعة المذاق والتي تحددها المواد الخام المتاحة أثناء الموسم وفي مقدمتها الفلفل الذي يبدأ طرحه في الأسواق في أواخر آب/أغسطس وآخرها العنب الأبيض في تشرين أول/أكتوبر ويتم تنفيذ الجزء الأكبر من العمل المحموم خلال نوبات ليلية في أيلول/ سبتمبر. وتحول عائلة ماركوفيتش التي تعيش في منطقة زيمون في بلجراد شقتها الواقعة بالطابق الثالث وتضم غرفتين إلى ما يشبه مصنع المواد الغذائية في شهر آب/أغسطس من كل عام. وتصطف على الأرفف المثبتة بجدران مطبخ العائلة أوان ضخمة تسع الواحدة عشرين لترا وتجاورها عشرات البرطمانات والدوارق وعلب التوابل وأربطة مطاطية وقطع من الشاش وأغطية للعبوات وملاعق خشبية وكلها مرتبة لتكون في متناول اليد عند بدء عملية التعبئة. ويتم منع الأطفال من دخول المطبخ بسبب وجود كميات كبيرة من الأطعمة تغلي على المواقد ولسبب آخر هو منع دخول الجراثيم معهم إلى المكان. ويتم تغطية الطرقة من المطبخ إلى الشرفة بملاءات من النايلون وتغطية الفراغات حول الموقد وفتحة التهوية بورق الصحف لحماية السجاجيد من التلوث بالبقع والسقف من البخار المخلوط بالدهون. وتقول دراجينيا ماركوفيتش / 40عاما / وتعمل ممرضة وهي أم لثلاثة أطفال إن أسرتها تطهو مجموعة من الأطعمة المحلية المتنوعة اللذيذة، وتبلغ أسعارها خمسة أو ستة أمثال تكلفتها في حال شرائها من المتجر كما أنها لا تكون بمثل جودة الأطعمة المصنوعة بالمنزل. ويعد مشروع إعداد الاطعمة الذي تنفذه أسرة ماركوفيتش في أواخر الصيف من كل عام شائع في المنطقة على الرغم من أن مزيدا من الأسر بالمدن بدأت تتخلى عنه بسبب ضيق الوقت أو لأنها باتت تكسب ما يكفيها من المال لشراء احتياجاتها من القرويين بالسوق. وصناعة المربى فتكون في أواخر أيلول/سبتمبر وأوائل تشرين أول/أكتوبر خاصة من الخوخ والكمثرى والسفرجل. وتصر دراجينيا التي جلبت وصفات الأطعمة لأسرتها في منزلها بقرية تبعد بمسافة 60كيلومترا غربي بلجراد على أنها ستصنع ما تحتاجه من المربى حتى لو كانت تمتلك النقود اللازمة لشرائها. وتقول: " إننا اعتدنا العمل لدرجة أننا لا نشعر بالضيق منه، ونحن نعدل الوصفات حتى تلائم مذاقنا بالضبط، كما أننا لا نحب تناول هذه الأطعمة في أي مكان آخر ولا نحب أبدا منتجات المصانع".