يحل هذا الأسبوع في صالات العرض الأمريكية أحد أهم أفلام الخريف الأولية التي تسبقها سمعة طيبة، مصدر السمعة هذه المرة ليس وجود نجوم بارزين في الفيلم أو مراجعات نقدية باهرة، بل وقوف المخرج النيويوركي ذو الأصول الأفريقية "سبايك لي" خلف الفيلم، وهو الذي لفت أنظار الكثيرين بانتقاده اللاذع للمخضرم الأمريكي "كلينت إيستوود" في مهرجان كان السينمائي الأخير بسبب عدم تقديمه لأي شخصية سوداء في فيلمه الحربي الأخير "رايات آبائنا" متهماً إيستوود بالتقليل من دور الأمريكيين الأفارقة في الحرب العالمية الثانية. ولذلك فإن فيلم سبايك لي الجديد (معجزة سانت آنا - Miracle at St. Anna) سيكون عن الأمريكيين الأفارقة خلال الحرب العالمية الثانية، رداً على إيستوود من جهة، وإضافة نوعية جديدة لرصيد سبايك المليء بالأفلام التي تناقش قضايا الأمريكيين الأفارقة، ك "مالكوم أكس" و"دو ذا رايت ثنق-Do the Right Thing". الفيلم مقتبس من رواية بنفس العنوان للكاتب الأمريكي جيمس مكبرايد الذي حولها بنفسه لسيناريو مقتبس، ويتابع الفيلم الذي تتنقل أحداثه من نيويورك الوقت المعاصر إلى تسوكاني في إيطاليا فترة الحرب العالمية الثانية قصة أربعة جنود من كتيبة مكونة بالكامل من الأمريكيين السود يحاصرون في جزيرة تسوكاني. بعد اعتذار كل من "ويسلي سنايبس" و"ناعومي كامبل" عن الاشتراك في الفيلم لم يعد لدينا من أسماء لامعة داخل الفيلم سوى الممثل ذي الأصول الإيطالية جون تورتورو، والذي سيكون غيابه إشكالية أخرى وهو الذي تعودنا على وجوده في معظم أفلام سبايك لي، حتى ولو كانت جميعها تدور في الأحياء الشعبية للسود في نيويورك. أما بقية الممثلين الذين سيقومون بأدوار الجنود السود فهم من الممثلين الشباب ذوي التجربة المتواضعة في عالم التمثيل، ليكون لدينا جون تورتورو فقط كأحد الوجوه المألوفة لمحبي سبايك لي، مع غياب العديد من الممثلين السود الذين اعتادوا على المساهمة في الأفلام الأمريكية التي تبرز قضية محورية لدى العرق "الأفرو أميريكي" بشكل عام كدينزل واشنطن واوسي ديفيس وجوي لي (شقيقة المخرج). قد لا يمثل الفيلم عودة قوية لسبايك لي، على الأقل وفقاً للمنظور التجاري، لما تواجهه الأفلام الحربية من نفور جماهيري في الغالب، آخذين في الاعتبار النجاح الجماهيري على مستوى أرقام شباك التذاكر الذي حققه "سبايك لي" مع النجم "دينزل واشنطن" في فيلم الإثارة "إنسايد مان" عام 2006، إلا أن سبايك لي يراهن كثيرا على المزاج العام للمجتمع الأمريكي هذه الأيام على خلفية دخول مرشح أمريكي أسود للرئاسة ومواضيع الحرب على العراق، وإيمانه الشديد بإكمال مسيرته السينمائية بنفس التوجه الذي سار عليه بأفلامه السابقة، بذلك النفس السياسي المربك لذهنية المجتمع الأمريكي التي تعاني من عدم الخروج من صداع العنصرية المزمن الذي يلاحق تاريخ أمريكا المدني. وبشكل عام لن يكون الفيلم إضافة جديدة لمواضيع سبايك لي التي وإن حاول التجديد فيها فهي لا تزال تحوم حول قضية الأمريكيين السود، إلا أن الجديد واللافت هو خوضه تجربة الأفلام الحربية.