كانت الأعين ترقب المسلسل الأضخم من حيث ميزانية العمل ، المسلسل الذي استقى فكرته من خيال وأشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والذي أشرف على إنتاجه مكتبه الإعلامي بميزانية مفتوحة قُدر أنها قاربت السبعة ملايين دولار، لم يكن هذا الترقب من أجل الميزانية الضخمة ولا للدعاية الكبيرة التي سبقت ظهور العمل بل لأجل من تولى إخراج هذا العمل، لأجل من اقترن اسمه بالتميز والتفرد، صاحب الكاميرا الواحدة، وصاحب الأسلوب السينمائي في الإخراج، من صعد بالدراما التاريخية لمستوى لم يسبقه إليه أحد حتى الآن، وهو الذي قدم "التغريبة الفلسطينية" برؤية إنسانية مختلفة ومن زاوية لم تتطرق لها باقي الأعمال العربية. ولم يكن أقل إبداعاً حين احتفت الفضائيات العربية بأول عمل مصري له "الملك فاروق" والذي كسب به ثقة المشاهد العربي وها هو الآن يتصدى لعمل بدوي، لبيئة مختلفة وجديدة أراد أن يتحدى به حدود إبداعه، وأن يرقى بالعمل البدوي لآفاق جديدة. وهذا ما جعل المشاهد العربي يترقب بلهفة كيف سيصيغ "حاتم علي" تلك الملحمة البدوية. صراع على الرمال هو مسلسل بدوي تدور أحداثه على أطراف شبه الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر، بين قبيلتين تؤجج إحدى شخصيات العمل والتي تعتبر المحرك الرئيسي لأحداثه صراع الثأر بينهما طمعاً ب "المشيخة" وبابنة عمه التي قد عشقت أحد أبناء القبيلة المعادية وعلى وتر الحب والحرب يعزف هذا العمل الذي كتب نصه هاني السعدي وحوله الفنان هشام كفارنة إلى اللهجة البدوية المحكية. أما الموسيقى التصويرية فقد أسندت للأردني طارق الناصر الذي رافق حاتم علي في عدة أعمال منها ملوك الطوائف والزير سالم وعلى طول الأيام.. واستطاع أن يتفرد الناصر بموسيقى متميزة تنوعت بين الترنيمات التراثية والربابة والناي. وضم العمل كوكبة من نجوم الدراما العربية منهم تيم حسن وصبا مبارك وعبدالمنعم عمايري وأناهيد فياض وغيرهم من الفنانين ومن الكومبارس أيضاً وهو ما أعطى شعوراً للمشاهد بأنه يرى حياة حقيقية كاملة بنسائها ورجالها وصغارها وهو ما يفتقده في الأعمال العربية الأخرى. حاتم علي.. هل كسب الرهان؟! للبيئة البدوية خصوصية تتميز بها عن البقية من حيث اللهجة والزي وبعض الأعراف والعادات الأخرى، وهناك العديد من الأعمال الفنية التي قدمت تلك البيئة واجتهدت كثيراً بغية الوصول لصورة فنية راقية تعكس خصوصيتها. لكن حاتم علي يرى كما الكثير من المشاهدين أن ما قُدم من أعمال بدوية لم تكن بالمستوى الذي يطمح بأن يكونه عمله والذي راهن بأن يرقى به لمستوى الصدارة مُعولاً تفوقه على الصورة الفنية التي اجتهد فيها وبذل ما استطاع للوصول لمبتغاه. وقد يلمس المتابع للعمل هذا التميز الذي سيحسب لمخرجه. لكن تبقى هناك إحدى التفاصيل المهمة التي تغاضى أو ربما قد غفل عنها مخرج العمل وهي اختيار الممثلين.. فقد عُرف عنه اهتمامه الشديد بانتقاء الشخصيات المناسبة لأدوار أعماله ولعلنا نذكر هنا دور الملك فؤاد في مسلسل الملك فاروق حين اصطفاه للفنان المصري حسن كامي والذي أقنع به المشاهد بأصوله التركية. لكنه لم يظهر هذا الاهتمام في عمل "صراع على الرمال" الذي أسندت فيه الأدوار لفنانين عرب ولم يكن للفنان الخليجي نصيب منه فكانت النتيجة تكلفاً في النطق وتفخيماً لبعض الأحرف التي لم تكن مستساغة أبداً، إضافة إلى أن المُشاهد لم يشعر باندماج الفنان العربي مع البيئة الصحراوية. هنا نتساءل كيف غابت هذه التفاصيل عن حاتم علي ولم ترك فناني الإمارات خاصة والخليج عامة؟ فهم أبناء شبه الجزيرة العربية وهم الأجدر والأمهر في إتقان هذه اللهجة.. لماذا لم يفعل كما في مسلسله الملك فاروق حين اكتفى بتيم حسن كممثل سوري وحيد في العمل وكانت بقية الأدوار من نصيب ممثلين مصريين أي أنهم من نفس بيئة العمل وهو ما لم يفعله مع "صراع على الرمال" الذي لم نلمح فيه الاهتمام بتفاصيل اللهجة وهو ما أثر كثيراً على العمل وجعل المشاهد يستغرب أن يُنسب مثل هذا النقص لمخرج كحاتم علي. صراع على الرمال عالمياً اهتمام العمل بالمادة البصرية وبأفضل الوسائل التقنية من أهم الأسباب التي قد تجعله في مصاف الأعمال العالمية إضافة إلى ميزة أخرى تفوق بها العمل على بقية الأعمال العربية وهي تقديمه لفنون المعارك الحربية التي أشرف على تصميمها مدرب الخيول ومصمم المعارك الأسباني ريكاردو كروز وهو صاحب أشهر الإسطبلات التي تحوي أمهر الخيول المدربة على استعراضات الحروب وقد استعانت بها أفلام عالمية عدة في معاركها منها فيلم الساموراي الأخير " Last samurai" وفيلم مملكة السماء" Kingdom of Heaven". كل ذلك مع مشاركة الألف كومبارس وأمهر الفرسان المدربين على شتى فنون الحرب جعل الحروب الناشبة بين القبائل في العمل أشبه بتلك التي تدور على أرض الواقع. ويقف الإنتاج الضخم وراء هذا الاهتمام الذي لم تعهده باقي الأعمال العربية وهو ما قد يجعل العمل مخولاً بأن يكون في مستوى الأعمال العالمية كما تنبأ له مخرجه حاتم علي.