إن النظام الأساسي للحكم في المملكة يعد الوثيقة الدستورية المنظمة للحياة الاجتماعية، والعلاقات بين الأفراد والجماعات والحاكم والمحكوم، ثم انها تضع مجموعة من الأسس والقواعد التي يسير عليها المجتمع ويتفاعل مع بيئته والبيئات الاجتماعية والطبيعية من حوله. إن هذه الوثيقة الدستورية جاءت مبنية على التصور الإسلامي الذي قام عليه المجتمع وتوحدت عليه أطراف البلاد. وسار عليه حكامها منذ الملك المؤسس عبدالعزيز إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وسوف نناقش بعض المقومات الاجتماعية للمجتمع السعودي من خلال ما ذكرته بعض بنود ومواد النظام الأساسي للحكم. المادة التاسعة وتنص هذه المادة على أهمية الأسرة ودورها الفاعل في الحياة الاجتماعية وتحديدها لحركة الأفراد والجماعات والمجتمع وأنها المهد للفرد والمجتمع ومستودع القوة ومصدرها، لذلك فقد أكد على دورها الإسلام والشرائع والقوانين الأخرى، وكانت أصلا في المجتمع. من أجل ذلك جاء الاهتمام بها ووضعت في الوثيقة الدستورية للحكم في المجتمع السعودي مادة مستقلة تؤكد على مصلحة الفرد والمجتمع لذلك فإن هذه المادة تقتضي مراعاة النقاط الآتية: الاهتمام بالأسرة، وتربية أفراد الأسرة، واحترام النظام وتنفيذه، إلى جانب حب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد، وذلك لأن للمواطن واجبا شرعيا وآخر أخلاقيا وثالثا أمنيا ورابعا حقوقيا. فنحن نتعلم من تراثنا وديننا وعبر الآباء والأجداد والوسائط الإعلامية إن حب الوطن جزء من الكيان الفردي لكل فرد على أرضه، لذلك فإن المواطن يحب وطنه ويعتز به ويفتخر بتاريخه المجيد ويسعى في خدمته بكل ما يستطيع، لأنه يسعى لتثبيت قواعد الأمن في المجتمع، ويعمل على المحافظة على منجزاتها الحضارية والعمرانية والاقتصادية ويجتهد كذلك لتنميتها وتطويرها، كل ذلك يدخل في إطار تأدية الحقوق ورد الجميل. كما يدخل في الجانب الشرعي والأخلاقي تجاه هذا الوطن الذي وفر له أسباب السعادة والأمن والراحة ونعم بها بالفعل. إن مواد النظام الأساسي للحكم جاءت منسجمة مع العقيدة الإسلامية في اتجاه حب الوطن والولاء له والاعتزاز به وبتاريخه وحضارته وثقافته والدفاع عنها. المادة العاشرة إن كل مادة من مواد الوثيق الدستورية، خصوصاً في مجال مقومات المجتمع العربي السعودي، تعطي صورة حقيقة عن مدى عمق الارتباط بين حكام هذا المجتمع والدين الإسلامي، لذلك فمن الملاحظ أن كل فقرة من النظام الأساسي للحكم في المجتمع العربي السعودي عبارة عن معلم إسلامي وهدف من الأهداف الكبرى التي يدعو إليها الإسلام. فقد نصت هذه المادة على أن الدولة تحرص على توثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم. فتوثيق أواصر الأسرة هدف اجتماعي تسعى الدولة إلى تحقيقه، وذلك لأن الترابط الاجتماعي بصوره المختلفة مثل التكاتف والتكامل والتكافل والتعاون و"الفزعة والنخوة" والشهامة والمروءة والشفعة، وغيرها من صور التفاعل الاجتماعي الموجب يدفع بالمجتمع نحو القوة والاتحاد والتماسك الاجتماعي وخلق بنية اجتماعية متمايزة في شكلها ومضمونها. المادة الحادية عشرة أوضحت تلك المادة أن المجتمع العربي السعودي يقوم، على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله، وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم، ومن خلال هذه المادة نجد أن مشروع التنظيمات في المجتمع العربي السعودي اعتمد على الاعتصام بحبل الله تعالى، والبر، والتقوى، والتعاون، والتكافل وعدم الفرقة كأحد الأنظمة التي يقوم عليها المجتمع وهي تعكس جانبين مهمين في الحياة الاجتماعية الأول هو الأمن النفسي والاجتماعي الذي يبحث عنه كل البشر ليعيشوا في سعادة وقد كفلها الله تعالى لعباده وتتلخص في التقوى. والجانب الثاني هو القيم الاجتماعية التي أكد عليها الله تعالى وتتمثل في البر والتكافل والتعاون وعدم الفرقة، وهذه القيم تتشكل في تنظيمات اجتماعية رسمية وغير رسمية تعين المجتمع وأفراده على الحياة الهادئة الهانئة، وهذا ما يبحث عنه ويريده ولاة أمر هذا المجتمع. المادة الثانية عشرة وتؤكد المادة الثانية عشرة من النظام الأساسي للحكم في المملكة على أهمية أن المجتمع السعودي قام على الإسلام والذي يدعو للوحدة والتكامل والتكاتف وغير ذلك من الصور الاجتماعية والإنسانية التي من شأنها أن تحفظ الأمن والكرامة والعيش الهادئ لكل المواطنين على هذه البقعة الجغرافية من العالم وتشدد هذه المادة من مواد النظام الأساسي للحكم على كل ما يعزز الوحدة والتكافل في بناء المجتمع السعودي، وتنص هذه المادة على أن "تعزيز الوحدة الوطنية واجب وأن الدولة تمنع كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام". هذه المادة من مواد النظام التي تدعو إلى تقوية الوحدة الوطنية، ومنع أسباب الفتنة من أي شكل سواء كانت فكرة أو اجتماعية عرقية أو اقتصادية أو دينية مذهبية أو مناطقية أو أي مشكلة يمكن أن يكون على المدى القريب أو البعيد سبباً في انقسام المجتمع والمساس من مقوماته الأساسية. المادة الثالثة عشرة تعد قيمة التعليم من أهم القيم الاجتماعية في المجتمعات الحديثة، بل إن التعليم من القيم في المجتمعات الإنسانية على الاطلاق، وذلك لأن مجمل حياة المجتمعات تقوم على التعليم بأنواعه الرسمي وغير الرسمي والمهني والمتخصصة والمتقدم وغير ذلك من تقسيمات التعلم والتعليم، ولأن التعليم مهم جداً جاءت هذه المادة من مواد النظام الأساسي للحكم في المملكة، وفي مقومات المجتمع، حيث تنص هذه المادة على "يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، واكسابهم المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم معتزين بتاريخه". وحيث النظرة الاجتماعية الفاحصة لهذه المادة، نجد أنها وضعت بعناية فائقة، إذ أن الهدف من التعليم في المملكة هو غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، واكتساب النشء المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء ومحبين لوطنهم معتزين بتاريخه. @ أستاذ علم الاجتماع - جامعة الملك سعود