شهدت المملكة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - انطلاق اكبر مشروع توسعة للحرم المكي، بعد التوسعة الأخيرة التي تمت في عهد الملك فهد - رحمه الله -، خاصة مع تكاثر جموع المسلمين الغفيرة التي ترد الحرم للحج او العمرة. وتعتبر هذه التوسعة الجديدة ثالث توسعة يشهدها الحرم المكي منذ دخول الحرمين الشريفين تحت حكم الدولة السعودية، حيث عرف الحرم المكي عدة اشغال توسيعية بعد الإسلام، اهمها: زيادة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه 17ه / 638م، زيادة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه 26ه /646م، زيادة عبدالله بن الزبير رضي الله عنه 65ه /684م، زيادة الوليد بن عبدالملك 91ه /709م، زيادة أبي جعفر المنصور 137ه /754م، زيادة الخليفة العباسي محمد المهدي 160ه /776م، الزيادة الثانية للخليفة العباسي محمد المهدي 164ه /780م، زيادة الخليفة العباسي المعتضد بالله 284ه /894م، زيادة الخليفة العباسي المقتدر بالله 306ه / 918م. وفي العصر الحديث، عرف الحرم اشغال توسعة كبرى على يد ملوك الدولة السعودية، وهي على الترتيب كالآتي: عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بقي المسجد الحرام اكثر من ألف عام دون اي زيادة في مساحته، حتى ادى ذلك الى التصاق البيوت بالمسجد والى انفصال المسعى عنه، وأصبح المسعى طريقاً تقوم المساكن والدكاكين على جانبيه، ولما استلم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الحكم بذل جهده من خلال الموارد المتاحة آنذاك في العناية بالمسجد الحرام، فقد أمر الملك عبدالعزيز بصيانة المسجد وإصلاحه في حدود عام 1926/1925م، كما أمر بترميم الأروقة وطلاء الجدران والأعمدة وإصلاح قبة زمزم في حدود عام 1928/1927م، بعد ذلك بسنوات تم تركيب مظلات تقي المصلين حرارة الشمس، وكان الملك عبدالعزيز أول من أمر بتبليط ما بين الصفا والمروة بالحجر، وشكل ادارة خاصة سميت "مجلس إدارة الحرم" للقيام بإدارة شؤون المسجد الحرام ومراقبة صيانته وخدمته، كذلك قام الموحد - رحمه الله، بتجديد مصابيح الإضاءة بالمسجد الحرام وزيادتها الى ألف مصباح في عام 1928/1927، كما تم إدخال الكهرباء الى مكةالمكرمة ووضعت فيه المراوح الكهربائية عام 1953.عهد الملك سعود اصدر الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - في عام 1955م أمرا بإجراء توسعة شاملة للمسجد الحرام وعمارته، وتمت هذه التوسة على عدة مراحل: @ المرحلة الأولى في مارس 1955م، وشملت العديد من الإنجازات، اهمها: ازالة المنشآت السكنية والتجارية التي كانت قائمة قرب المسعى، وهدم المباني القائمة شرق المروة، والبدء بشق طريق جديد يمتد بجانب الصفا والمروة، وبناء المسعى من طابقين لاستيعاب اكبر عدد ممكن من الساعين والمصلين ويبلغ طول المسعى من الداخل 5.394م وعرضه 20م ويبلغ ارتفاع الطابق الأرضي للمسعى 12م والطابق العلوي 9م، كذلك بني تحت الطابق الأرضي طابق سفلي يبلغ ارتفاعه 5.3م، كما اقيم مجرى خاص لتصريف مياه السيول. @ المرحلة الثانية: بدأ تنفيذها في عام 1959م، وتم خلالها: بدء اشغال اساس الرواق الجنوبي وكسوة جدرانه بالرخام وكسوة العقود والسقوف بالحجر المنقوش، اقامة ممر دائري فوق الصفا على مستوى سطح الطابق العلوي للرواق الجنوبي والمسعى وصل بينهما بسقف مستدير مقبب وخصص هذا الممر للداخلين من باب الصفا الجديد الى الطابقين. @ المرحلة الثالثة: بدأ تنفيذها عام 1961م، وتم فيها: اكمال بناء الطابق السفلي الذي اقيم تحت جميع ابنية الحرم عدا المسعى، كما اصبحت مساحة المسعى بعد ان ألحق بالمسجد الحرام 8000م مربع للطابق العلوي ومثلها للطابق الأرضي، كذلك اصبح عدد ابواب الحرم 64باباً، كما اصبحت مساحة المسجد الحرام بعد هذه التوسعة 193الف م2، وهو ما جعل الحرم يتسع لحوالي 400.000مصل. عهد الملك فهد في اليوم الثاني من شهر صفر 1409ه ، أمر خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بوضع حجر الأساس لمشروع توسعة المسجد الحرام، ويتضمن المشروع اضافة جزء جديد الى مبنى المسجد الحرام من الناحية الغربية بين باب العمرة وباب الملك عبدالعزيز، وكان مما تم العمل فيه: @ بلغت مساحة ادوار هذا المبنى 76الف متر مربع وتتسع لحوالي 152الف مصل، كما شمل المشروع تجهيز الساحات الخارجية التي تبلغ مساحتها 85.800م 2وتبليطه بالرخام الأبيض لتستوعب 190الف مصل، وبذلك تصبح مساحة المسجد الحرام شاملة مبنى المسجد بعد التوسعة الحالية والأسطح وكامل المساحات 356الف متر مربع تتسع لحوالي 773الف مصل، وفي اوقات الذروة يتسع الحرم والتوسعة مع الساحات المحيطة به لأكثر من مليون مصل. @شمل مبنى التوسعة مئذنتين جديدتين بارتفاع 89م تماثلان في تصميمها المعماري وفي مواد البناء المستخدمة المآذن السبع القائمة. @ اضافة مبنيين للسلالم الكهربائية المتحركة مساحة كل واحدة منهما 375م 2وطاقة كل منهما الاستيعابية تقدر ب 15الف شخص في الساعة، اضافة الى مجموعتين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيسي للتوسعة. @ تم تبليط التوسعة جميعه بالرخام حتى يتسنى استخدامه للصلاة، وخصوصاً في اوقات الذروة، وهناك ثلاث قباب في التوسعة الجديدة ارتفاع كل منها 13م تحتوي على فتحات بكامل محيطها وشكلها الخارجي مماثل للقباب الموجودة على سطح الحرم الحالي. @ تتضمن الأعمال الكهربائية تنفيذ محطتي تحويل على جانبي التوسعة تحتوي على محولات طاقة كل واحدة منها 6.1ميغا فولت أمبير صممت بحيث تولد طاقة احتياطية تبلغ 100% من الأحمال الحالية. @ تم تنفيذ شبكة إذاعية تتناسب مع مساحة التوسعة، وهي مشابهة للشبكة الحالية، ويتم استخدام مكبرات للصوت معلقة على الجدران والأعمدة تغذيها اسلاك ممدة داخل مواسير مدفونة، اما في الأعمدة وإما في الأسقف والأرضيات. @ استحدث نظام جديد لتلطيف الهواء بالطابقين الأرضي والأول على مبدأ دفع الهواء البارد وتوزيعه على مستوى مرتفع حول الأعمدة المربعة، وقد اقيمت من اجل ذلك محطة تحتوي على عدد من أجهزة التبريد ومضخات المياه المثلجة ومركز تشغيل وتحكم آلي بطاقة تبلغ 13.500طن تبريد. @ تم ايضاً انشاء نفق للخدمات يربط بين المحطة المركزية والحرم المكي بطول 450م ويحتوي على مواسير معزولة ناقلة للمياه، وهو مجهز ايضاً بجميع وسائل الإضاءة والتهوية وأجهزة السيطرة والتحكم الآلي. @ تم انشاء مبنى من طابقين لدورات المياه بمساحة اجمالية تبلغ 14الف مربع، يضاف الى ذلك السطح، ويحتوي المبنى على 1440دورة مياه، 1091نقطة وضوء و 162نافورة لمياه الشرب، مع ممرات تسهيل انتقال الأفراد الى ساحات الصلاة الجديدة دون تعارض مع حركة المرور. مشعر منى شهد مشعر منى خلال العهد السعودي الزاهر نهضة عمرانية ضخمة شملت التطوير والتحسين في جميع عناصر المشعر ابتداء من انشاء الطرق والكباري والأنفاق، ومروراً بإزالة العوائق الطبيعية وإنشاء المخيمات النموذجية، وانتهاء بمشروع منطقة الجمرات والذي تقدر تكلفته بأكثر من اربعة مليارات ريال، ولتعدد وضخامة المشاريع والأعمال التطويرية التي تمت والتي مازالت تحت الإنشاء والتي سوف تنفذ في المستقبل القريب - إن شاء الله، ومن ابرز المشروعات في مشعر منى فتح الطرق والأنفاق وإنشاء الكباري والجسور لتسهيل حركة المركبات والمشاة، وإنشاء المخيمات المقاومة للحريق بعد تكرر احتراق المخيمات التقليدية، وتطوير سفوج الجبال في الجهة الشمالية لمشعر منى لزيادة الطاقة الاستيعابية للإيواء، وإنشاء وتطوير المجازر الآلية الحديثة للاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي، وإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية، وإنشاء العديد من المساجد في مشعر منى ومن أهمها وأكبرها مسجد الخيف، كذلك انشاء خزانات المياه بسعات عالية لتوفير المياه للحجاج في مشعر منى، وإنشاء دورات المياه ومشارب المياه في جميع أنحاء مشعر منى، وإنشاء المكابس الأرضية للتخلص السريع من النفايات، اضافة الى تحسين وتهيئة منطقة الجمرات، وفي عام 1425ه تم تعديل اشكال احواض الرجم والشواخص الى الشكل القطع الناقص، بعد توصية معهد ابحاث الحج، وقد ساهم هذا التعديل في زيادة انسيابية الحركة وتخفيف الزحام حول الأحواض خصوصاً في صبيحة اليوم العاشر من ذي الحجة. جسر الجمرات الجديد في عهد الملك عبدالله اعتمدت الفكرة التصميمية لمنطقة وجسر الجمرات على عدد من المرتكزات تمثلت في: رفع الطاقة الاستيعابية للمنطقة والجسر، خفض الكثافة في منطقة الجمرات وعلى الجسر ( 3حاج/م2)، تفتيت الكتلة البشرية عند المداخل وحول الأحواض، فصل حركة المشاة عن حركة المركبات، وتسهيل حركة مركبات الخدمات وخصوصاً سيارات الإسعاف، الوصول لمواقع اقامة الحجاج وربط محاور المشاة الرئيسة في وادي منى والقادمة من مكةالمكرمة مع مداخل الجسر، الاستفادة من الظروف البيئية والطبيعية المحيطة بالمنطقة، تعديل اشكال الأحواض الى الشكل المحقق للانسيابية. وبناء على هذه المرتكزات التصميمية، والمعايير التصميمية لمنطقة الجمرات التي تم الحصول عليها من خلال الدراسة الميدانية في عام 1422ه تم تطوير الفكرة التصميمية للمنطقة والجسر خلال عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -، حيث تم اخلاء المنطقة من المركبات وتوجيه حركة المركبات الى الانفاق التي تمر من تحتها، وفتح الدور الأرضي للجميع، مع تخصيصه وتخصيص الدور الأول للقادمين من جهة الشرق لارتفاع نسبة التدفق، في حين تم تخصيص الدور الثاني للقادمين من مكةالمكرمة، اما الدور الثالث فكان للقادمين من الجهة الشمالية (مجر الكبش)، وتم تخصيص الدور الرابع للقادمين من الجهة الجنوبية المرتفعة بحيث يكون مستوى منسوب الدور مع مستوى ارتفاعه وتم ربط جميع الأدوار بمنحدرات مناسبة لتسهيل عملية الوصول، وتم تزويد الجسر بجميع الخدمات ووسائل السلامة وروعي في التصميم وصول الحصى الى المرامي الشرعية وعدم تأثيرها على بقية الأدوار عند نزوله من الأدوار العلوية وتوفير البيئة المناسبة داخل الجسر من تهوية وإضاءة، بالإضافة الى ملائمة التصميم للبيئة المحيطة به. مشروعات الملك عبدالله في المسجد الحرام الى ذلك استعرض معالي نائب الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام الدكتور محمد بن ناصر الخزيم المشاريع العظيمة التي امر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بتنفيذها خدمة للحجاج والزوار والمعتمرين، ومن ابرزها توسعة المسعى ليستوعب الزيادة في اعداد المعتمرين والحجاج، وهذا المشروع من اهم وأبرز المشاريع التي امر بها - حفظه الله - في المسجد الحرام وباكتماله سيسهل على الحجاج والمعتمرين أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة، مشيراً الى ان هذه التوسعة تتناسب مع الزيادة المضردة في اعداد الحجاج والمعتمرين، حيث تبلغ تكلفة المشروع قرابة الثلاثة آلاف مليون ريال، ويتكون من اربعة ادوار (قبو ودور ارضي ودور أول ودور ثان)، وسيعاد بناء المسعى القديم بنفس أسلوب التوسعة الجديدة، فيصبح الجميع اربعة ادوار، اضافة الى السطح، حيث تم تجهيز الدور الأرضي للسعي في كلتا مرحلتي المشروع مع الاستفادة من الدورين الأول والثاني والاستفادة من قبو المسعى للدخول والخروج من وإلى المسجد الحرام من الناحية الشرقية. وأضاف: ان من بين المشروعات الضخمة التي وجه بها الملك عبدالله - حفظه الله - انهاء جميع الدراسات الفنية الخاصة بتكييف المسجد الحرام في جميع أقبيته وأدواره تمهيداً لاعتماد تنفيذها من مقام الكريم - حفظه الله -، كما تم انشاء جسر للمشاة بأجياد ويهدف الى نقل المصلين من وإلى الدور الأول والسطح عن طريق سلم أجياد الكهربائي لفك الاختناقات التي تحدث في منطقة الصفا أثناء المواسم، حيث يستخدم مخرج طوارئ ويبلغ طوله (100م) وعرضه (14م) وهيكل الجسر حديدي وجرى تكسيته بوحدات من الحجر الصناعي المزخرف، كذلك تطوير مصنع كسوة الكعبة المشرفة بتزويده بأحدث الأجهزة والمعدات اللازمة. وأكد الدكتور الخزيم على ان واسطة العقد في توسعة المسجد الحرام هو صدور أمره الكريم - حفظه الله - بتنفيذ توسعة الساحة الشمالية للمسجد الحرام بعمق (380م) وأنفاق للمشاة ومحطة للخدمات وسوف تكون مجمل المضافة الى ساحات المسجد الحرام بعد ذلك اكثر من ثلاث مئة الف متر مسح تقريباً، مما يضاعف الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام ويتناسب مع زيادة اعداد المعتمرين والحجاج ويساعدهم في أداء نسكهم بكل يسر وسهولة. مشروعات المسجد النبوي واشار الى ان اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالمسجد النبوي الشريف مستمر كذلك ومن ابرز ما أمر به - حفظه الله - توسعة الساحات الشرقية وتظليل ساحات المسجد النبوي بتكلفة تقدر بأربعة آلاف وسبعمائة مليون ريال والتي تشتمل على تركيب ( 182مظلة) تغطي جميع ساحات المسجد النبوي لوقاية المصلين والزوار من اشعة الشمس ومخاطر الأمطار وسيستفيد منها بعد انتهائها اكثر من مائتي الف مصل مع تطوير الساحات الشرقية للمسجد النبوي وما يتبع من خدمات ومرافق. وشدد على ان اعماله - حفظه الله - في الحرمين الشريفين هي من منطلق إيماني وواجب وطني وهي تعظيم لشعائر الله فاللهم زد من عظم هذا البيت تشريفا وتعظيما. وقال الدكتور الخزيم ان هذه المشاريع التي اشرت اليها غيض من فيض تعتبر رمزاً لمدى الاهتمام الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمكةالمكرمة والمدينة المنورة التي أنشأ لها هيئة تتولى متابعة تطويرها.