هناك على ساحل البحر الذهبي حيث تنتشر المقاهي الصغيرة والمطاعم الجيدة ومحلات صغيرة تبيع وجباتهم المحلية و"البوتيكات الجذابة" كنت أستمتع بنسيم البحر الساحر وإطلالة البدر الباهر. انعكاس البدر الكامل بدا وكأنه يقبل صفحة الماء، فرددت في نفسي ماجادت به نفسي: ولو خيرت ثانيةً... لكان خيارنا القسري إبحاراً وأشرعةً... وأمواجاً بنا تسري وألحاناً عذوبتها... تناغم رقصة البدر على الأمواج تأسرنا... فيالجمال ذا الأسر بعدها قررت أن أذرع الأزقة الجميلة حيث يتجول خلق كثير فيهم كمٌ كبيرٌ من السياح وأنا واحد منهم. كان مما لفت نظري وجود كلاب ذات أحجام كبيرة، ترسم أول ماترسم على الذهن صورة كلاب الحراسة أو الكلاب البوليسية. ولكنها كانت هادئة لدرجة محيرة. وزادت دهشتي عندما رأيت قططا جميلة مختلفة الأشكال والعيون تنعم براحة تامة بين تلك الكلاب. أدهشني هذا الهدوء العجيب والتآلف الغريب بين ما نعتبرهم أعداء، أو في أحسن الأحوال أهل خصومة لغتها النباح والمواء. ثم رأيت رجلاً يقترب من قطة هادئة، فيجلس قريباً منها ثم يمسك بها بعد أن مسح على جسمها بيده فيرفعها قريباً من وجهه وكأني أراها تعطيه نفسها. عندما أمسك بالقطة تحفز كلب قريب منها وبدأ بالنباح وكأنه يحذر الرجل من المساس بالقطة. لم يهدأ الكلب إلا بعد أن رأى الرجل يطلب من صاحبه أن يلتقط له صورة مع تلك القطة. عندها عاد الكلب إلى وضع الاسترخاء. في مقابل ذلك التآلف العجيب بين قططهم وكلابهم ارتسمت صور كلابنا وهي تتبارز بالنباح ويطرد الكبير منها الصغير والقوي منها الضعيف ويحاول النيل منه. وليست حال قططنا بأحسن من كلابنا، إذ أصبحت القطط مضرباً للمثل للدلالة على الضجيج. أما حين تلتقي كلابنا بقططنا فلا يبقى من شراسة القول والفعل شيئا إلا ومارساه. لست أدري هل تنعت الكلاب القطط بنعوت تحقير أم تبادل القطط الكلاب الاتهام بالاتهام. طردتُ تلك الصورة المحلية الصاخبة وصراعها من ذهني ورحت أتأمل التآلف بين كلابهم وقططهم، فانهالت الأسئلة علي كالسيل المنهمر: @ أي لغة تتحدث قططهم وكلابهم وبأي ملة يؤمنون؟ @ ما طبيعة ذلك التفاهم وماسر ذلك الائتلاف؟ ولمَ لم تتقنه قططنا وكلابنا؟ @ هل نصل إلى مانعمت به قططهم من حسن جوار فنعممها على قططنا الوطنية لتتمكن من تنظيم أمورها بلا مواء ولا ضوضاء؟ @ هل نحتاج إلى مراكز تدريب تعلّم كلابنا كيف تتعامل فيما بينها بدون نباح لاينقطع، ثم نعمق التفاهم بدروس التعامل مع القطط؟ @ هل أستعين بكتاب الحيوان للجاحظ أم كتاب كليلة ودمنة لعبد الله بن المقفع لأفك رموز الصورتين المتضادتين بين هنا وهناك؟