المتأمل في سلوكيات شعوب العالم يجد أنماطاً مختلفة، وصوراً شتى في التعاملات، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، أو النفسي، أو غيرها من العادات، فبعض الشعوب تشتهر بالفكاهة، وبعضها بالحزم، وبعضها بالانضباط، وبعضها بالفساد الإداري، وبعضها بحب القراءة والاطلاع، وبعضها بالاسراف والتبذير وتعده مفخرة، المهم أن هناك طقوسا متوارثة لدى تلك الشعوب، ينشأ فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، وهذه السلوكيات والأنماط لا تفك عن حضارة تلك الشعوب وتقدمها، فالشعوب التي في ذيل القائمة تجد سلوكياتها مخالفة للعقل والمنطق، وينصب اهتمامها على الأمور الآنية، وتضخم الصغائر، وتغفل عن عظائم الأمور، وبالتالي لا تعرف تلك الشعوب مصادر القوة والتأثير، بل تكون في الغالب فريسة لمؤامرات كبرى، وتقع تحت تهديد خارجي، يجبرها أن تتحرك ضمن نطاق معين مرسوم، وهنا يسأل أحدهم ويقول: ونحن ماذا ورثنا؟ وما تحمل جيناتنا العظيمة؟ فأقول: ورثنا التعقيد، وراجعنا بكرة!، وورثنا البحث عن واسطة في كل شيء لتسهيل الأمور، وورثنا أن الموظف لا يمكن أن يقضي لك مصلحة إلا بكومة من الابتسامات المزيفة ومثلها من الدعوات المباركات لأهله وأولاده وذريته المباركة الماجدة! هذا إذا لم يجبرك على دفع الرشوة بأي شكل، مع ظني أنه أحوج لسماع التوسلات والدعوات أكثر من أن تكون خالصة لوجه الله، الطفل عندنا لا يفتح عينيه إلا على: الملف العلاقي الأخضر، و 6صور شمسية مقاس 4* 6ومقدمة... الخ، وإذ دخل المدرسة تلقى صنوفاً من العنت والسخرية والإهانات والضرب المبرح والكبت والغمز واللمز إن لم يكن التحرش، وأما المجتمع فلا يقل عن مثل الصورة السابقة في الظلم والجور، وعندما يتخرج من الجامعة، بعدما تلقى سيلاً من التعقيدات والتهديدات والإهانات خرج للمجتمع وتبوأ منصبه، فحانت ساعة الانتقام، وإثبات الذات التي افتقدها في الصغر، وتفريغ سنوات القهر والعسف، ولذلك فهو يلجأ لكل وسيلة تحقق رغباته النفسية المريضة، ولو على خسارة مشروع أو ذهاب مصلحة عامة المهم يقول: أنا هنا، والرأي رأيي، ولذلك سيطرت صورة - العنترة - وحب التعقيد، والتفنن في تصريف المراجع، على تلك الشخصية، وأصبحت شيئا موروثا، لا يمحوه إلا المئات من السنين، ومن المفارقة أنك تجد المعاملة لدى القطاع الخاص على أرقى مستوى، لأن صاحب العمل لا يقبل بمثل هذه التصرفات الكئيبة في مصلحته، بينما في القطاعات الحكومية - إلا من رحم الله - تسبب لك المعاملة معها الضغط والسكري وكل أدواء العصر الحديث والحجري، وفي نظري أن هذه المعضلة لا تحل في مئة سنة أو قريباً منها، ولكن علينا أن نبدأ بالعلاج، والثمرة يجنيها غيرنا، فيبدأ العلاج من الأسرة، فنشيع فيها حب التسامح ونفع الآخرين ونبذ العنف والقسوة، بكل الوسائل المتاحة، وأما المدرسة فتكون منارة للتربية والتعليم حقيقة، وأما الحياة العامة فيجب أن يعرف كل مواطن حقه وما له وما عليه، فيأخذ حقه كاملاً من أكبر موظف أو أصغر موظف دون اللجوء الى الواسطة أو الرشاوى أو الاحتيال، كما يجب عليه أن يؤدي الذي عليه كاملا، ويعلم يقينا أنه سيقع تحت سلطة القانون في كل تصرف مخالف، كما ينبغي أن تكون الأمور واضحة أمامه، كما أرى أن نركز على عناصر منها: وضوح الأهداف والتوعية والمتابعة والتقييم، هذا بشكل مختصر، وأخيراً لا يخفى علي جمال وروعة كل الأنظمة الورقية لدينا، ولكن لو نفذ ثلثها على أرض الواقع لعشنا في سعادة غامرة.