بعد أن ذهب نصف سيد الشهور تناولت القلم الذي اعتبره في إجازة منذ مدة طويلة إلا في مناسبات ضرورية مثل حلول هذا الشهر الكريم. حيث لم تسمح نفسي أن يمر بدون اقتباسات من نوره الوضاء. ودروس وعبر مستقاة عبيره الفواح. وإن كنت في تصوري لن آتي بجديد حيث العلماء كثيرون. والكتاب بالعشرات بل بالمئات، ولكن (الذكرى تنفع المؤمنين) وأول هذه الدروس التي نتعلمها من هذا الشهر الكريم أنه شهر القرآن كما قال سبحانه في محكم التنزيل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) الآيات، وهذا يعتبر تشريفاً له. وتفضيلاً على سائر الشهور. وكان جبريل سيد الملائكة عليه السلام يدارس نبي الهدى صلى الله عليه وسلم القرآن في كل رمضان مرة، وفي السنة التي توفي فيها المصطفى عليه السلام دارسه إياه مرتين، وكل هذا من عظم هذا الشهر وتميزه على سائر الشهور والأيام. ثانيها: أنه شهر المساواة والمفروض صيامه بشروطه الشرعية على الكبير والصغير إذا بلغ الحلم والفقير والغني والسيد والمسود. والذكر والأنثى إلا في حصول الموانع من مرض وعضال بصفة عامة أو حيض أو نفاس. بالنسبة للأنثى كما هو معروف لدى الجميع أو غير ذلك من الأعذار المشروعة. وثالثها: أنه شهر المواساة فحينما يحس بالجوع والعطش يتذكر الفقراء والمساكين فيتفقد أحوالهم والبحث عن المستحقين منهم بكل وسيلة. فيتصدق عليهم بما تجود نفسه، وحسب قدرته واستطاعته. رابعا: الصبر وذلك بالامتناع عن الطعام والشراب والشهوة في نهار الشهر كله وكما جاء في الأثر (الصبر نصف الإيمان). أما وقته ففي الآية الكريمة {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} الآية. خامسها: أنه - شرفه الله - عبادة سرية كما في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) بينما أنه باستطاعة المرء أن يأكل ويشرب خفية عن البشر ولكن الله (يعلم السر وأخفى) وقال سبحانه {إنه يعلم الجهر وما يخفى}. ولذلك فعقيدة المسلم الصيام طيلة أيامه طاعة لله، لكونه يجزم أنه أحد أركان الإسلام الخمسة وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات كما هو معلوم. والأعمال في هذا الشهر مضاعفة فالله الله على المثابرة والاجتهاد في أعمال الخير كلها فيه وفي سائر الشهور كافة. سادسها: اصطحاب النية وتبييتها من الليل فلقد قال صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) أي إيماناً بأنه ركن من أركان الإسلام واحتساباً للأجر والثواب بشرط أن لا يشوبها (أى النية) رياء ولا سمعة وبخاصة ما جاء في آخر الحديث (ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) إيمانا منه بأنها سنة مؤكدة واحتسابا للأجر ايضاً وفرق بين الواجب والسنة ومع ذلك لم يفرق بينهما في المغفرة لما تقدم من الذنوب، هكذا الإسلام كله رحمة ورأفة وسماحة، فالحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف الى أضعاف كثيرة والسيئة بمثلها فقط وصدق الله (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها). فالحمد لله على نعمة الإسلام ونسأله سبحانه أن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.