كل من راقب مجريات المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأمريكي (1- 4أيلول / سبتمبر) يصل إلى نتيجة حتمية وهي ان قادة هذا الحزب فضلوا إبعاد أعضاء الإدارة الأمريكية الحالية عن مسرح النشاطات ومهرجانات المؤتمر بما فيهم الرئيس الجمهوري جورج بوش . وقد تناقلت وسائل الإعلام الأمريكية أخبار هذه الظاهرة ونقلت عن أكثر من مصدر جمهوري أن أعضاء حملة ماكين الانتخابية أصروا على عدم السماح لبوش ونائبه ديك تشيني بحضور ذلك المؤتمر شخصيا بحجة أن بوش منهمك بالإعصار "غوستاف" واحتمال وصول الإعصار "هانا" إلى الشواطئ الأمريكية ولهذا لم يحضر بوش إلى مدينة سانت بول في ولاية مانيسوتا التي انعقد المؤتمر فيها. ولكن في اليوم الثاني تبين أن الإعصار لم يكن بتلك القوة وتخطت ولاية لويزيانا مرحلة الخطر وعاد بوش إلى واشنطن ولم يسافر إلى المؤتمر، ولكنه أصر على مخاطبة الحاضرين عبر الأقمار الاصطناعية وتنازلت قيادة المؤتمر عن موقفها وهكذا خاطب الرئيس الجمهوري مؤتمر حزبه، وبالتالي لم يسمع أية انتقادات بشكل شخصي. أما نائبه تشيني فقد تم التريب له للقيام بزيارات في نفس الفترة الزمنية برحلة عمل لزيارة عدد من الدول بما فيها إيطاليا وجورجيا. وهذا أمر قل ما يحدث في مثل هذه الأحوال خصوصا وأنه من المفروض أن يلقي خطابا في المؤتمر وأنه يعتبر أحد قادة الحزب الجمهوري الذي يترنح شعبياً أمام صفعات الحزب الديموقراطي. ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس موجودة في الشرق الأوسط، وربما عادت من رحلتها ولكنها لم تظهر كليا في مؤتمر الحزب ولم تجر أية مقابلة معها على هامش المؤتمر . ولكن يبدو أن القائمين على إستراتيجية الحزب الانتخابية، وجدوا من المناسب إبعاد الشخصيتين بوش وتشيني عن المسرح. وواضح أن السبب في ذلك يعود إلى انتهاجهما السياسة الحمقاء خلال السنوات الثمانية الماضية التي أدت إلى تدهور موقع أمريكا القيادي في العالم، وإدخال البلاد في شبه انهيار اقتصادي، والكذب على الشعب الأمريكي، وتهديد دول العالم "إما معنا أو ضدنا"، وطبعا الدخول بحروب أدت إلى مقتل أكثر من أربعة آلاف جندي أمريكي في العراق فقط وجرح أكثر من 30الف جندي هناك. وفوق كل ذلك زرع العداء لأمريكا لدى شعوب العالم. كل ذلك أدى إلى انهيار شعبية الحزب الجمهوري والذي كان مسيطرا على البيت الأبيض وعلى شقي الكونغرس، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وبالتالي خسر هذه السيطرة لصالح الحزب الديموقراطي في انتخابات عام 2006وحسب استطلاعات الرأي العام الأمريكية فإن احتمال خسارة الحزب الجمهوري للبيت الأبيض في انتخابات الرئاسة القادمة في شهر تشرين الأول - نوفمبر القادم أمر وارد جدا. ولكن إبعاد أعضاء الإدارة الحالية عن مجريات المؤتمر أمرغير كاف لإقناع الشعب الأمريكي بالتصويت للحزب الجمهوري. جون ماكين لم يبتعد كثيرا عن جورج بوش، وفي الواقع سيكون من الصعب الابتعاد عنه وهو الذي أيد بوش في السنين الأربع الأولى بمعدل مائة بالمائة والسنوات الأربع الأخيرة من حكم بوش أيده أكثر من 90بالمائة خصوصا في مواضيع حساسة في مقدمتها دعمه الكامل لسياسة بوش المتعلقة بالعراق، هذه النقطة المرفوضة من جانب الأغلبية الساحقة من الشعب الأمريكي. كما أن برنامجه الاقتصادي لا يختلف عن برنامج جورج بوش. وتخفيض الضرائب على الأغنياء مرفوض شعبياً. ويواجه مشاكل بالنسبة لبرنامجه للتأمينات الصحية والذي يتطابق إلى حد ما مع نظرية بوش لهذا الموضوع الحساس . فمن هذا المنطلق سيكون صعبا على ماكين الإنفصال تماما عن سياسة جورج بوش أو حتى عن جزء كبير منها مهما حاول التظاهر بأن هناك فروقاً بينهما. وكما هو واضح الآن أن رئاسة ماكين إذا ما نجح في الانتخابات ستكون استمرارية لسياسة بوش . فإذا كان الحزب الجمهوري نفسه قد نبذ أعضاء إدارة بوش ومنعهم من حضور المؤتمر خوفا على مزيد من الانهيار الشعبي له، فكيف يمكن لماكين أن يوفق بين الحالتين الابتعاد عن بوش وتبني سياسته التي يعتبرها أغلبية الشعب الأمريكي سياسة خاطئة وهدامة؟ وكيف يمكن أن يقنع ماكين الشعب الأمريكي من التصويت له؟ هذا ما ستكشف عنه الأشهر القادمة.