شهركم مبارك شهر جميل، نوراني. تتداعى لنا رائحة الطفولة في الشوارع القديمة والبيوت الملتهبة بالدعاء والقرآن..طقطقة الأواني.. والركض بالصواني لبيوت بلا طعام.. وازيز أصوات المقرئين في المسجد القريب. يأتي رمضان.. رمضان الرحمة في عشره الأولى وصلاة التراويح والزيارات بعدها. رمضان أبو طبيلة وأسماؤه المختلفة من مكان لآخر، رمضان الملابس الجميلة والقرقيعان وصغيرات بملابسهن البراقة وأكياس الحلوى والمكسرات تتدلى على رقابهن. رمضان شهر ليله نور إلهي يبعث برائحته منذ شعبان. هل تغير رمضان؟؟ أم ترى الناس غيروا رمضاناتهم؟ لم يعد رمضان بتلك الروحانية ولا تلك الأنوار الإلهية التي تشع في القلوب.. لم يعد طيب البخور ولا التسابيح في السحور.. اصبح رمضان المسلسلات بكل غرائبها. مسلسلات الرعب الإخبارية وكأن الوجبات الرمضانية تتغذى على دماء وأجساد المسلمين.. إلى أجساد تتمايل وتمولها أموال المسلمين.. رمضان يقدم لنا مسلسلات غير مسلسلات الرعب، لدرجة اصبح أطفالنا يعرفون رمضان بالمسلسلة لا بصوت القيام ولا أصوات التهليل والتكبير. رمضان قيل لنا منذ الطفولة إن علينا ان نحس بالجوع حتى نعرف شعور الجوع، ونطرده عن الفقراء.. لكن الينابيع نضبت قبل ان تصل للجائعين والمحرومين والمحاصرين.. وصرنا نراهم يجوعون ويمرضون ويذبحون ونقلب الموجات نسدد النظرات ونعرف ان النخيل لديهم قطعت رؤوسه، وانهال عليه كم من اليورانيوم.. فأصبح كما قال القرآن الكريم (أعجاز نخل خاوية). رمضان عاد ليدخل كل بيت وكل حارة لكنه لم يدخل بروحانيته وعنفوان الحب فيه. منابع الخير في رمضان تجففت.. تجفف الحب والخير، ضربته شمس الأشرار.. ولكن جذوة رمضان تتقذ نوراً في القلوب وتبقى حتى يعود رمضان المفقود.. رمضاننا الذي فتحنا الباب لسارقه.. وأعطيناه فوق رمضان الكثير من الحب الذي فينا وقلنا له تفضل، تلك ارواحنا أرواح أهلينا.. أصبحنا، فريق منا ضد فريق وضد فريق (حتى اصبح الواحد منا يحمل في الداخل ضده) رمضان لا يخلف وعده.. لكننا أخلفنا وعودنا وأخلفنا ما في داخلنا وحرقنا الذكريات.. وبقى رمضان لوحات رعب عبر الاخبار يأتي فاصل بينها ليرينا العالقين والجائعين والمقتولين.. ولا يكمله مسلسل الرعب الذي لا ينتهي في ديارنا وديار المسلمين إلا بمخدرات المسلسلات (إسمهان في رمضان) مسلسل يحتدم النقاش حوله ماتت قبل ستين عاماً، منتحرة، مقتولة أم مجرد حادث سيارة سقطت في ترعة؟ رمضان تكبل به الشياطين، فما الذي يجعل شياطين الرعب تجول في كل مكان؟ ورمضان يأتي رغم كل ذلك ويقول: إنه لازال موجوداً، لازال اوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النيران وبذور النار تلتهب هنا وهناك في أراضينا العربية والإسلامية يتغذى رمضان بأضاحي المسلمين فيكون رمضان بالأضحى. نراكم في رمضان، نراكم في رمضان الحب. نراكم في شهر الخير. نراكم في رمضان نقي بالكرم والعزم ورمضان يتوالد في داخلنا.. ويعود لنا أنقى لنرى بعضنا ونقول: رمضان كريم اللهم انثر علينا كرمك وحبك وعطفك وأطفئ عنا نيران الدنيا وأعتقنا برحمتك من نيران الآخرة.