قبل أعوام طويلة أجرت "مجلة اليمامة" مقابلة مع الرسام المبدع عبد السلام الهليل. المجلة سألته عن المطرب الذي يسمع له، فرد بأنه سيقول فيروز كي يُحشر في زمرة المثقفين!. ما قاله الهليل هازلا ليس إلا الحقيقة لدى بعضنا الذين يحاولون الإيحاء بان ذائقتهم الأدبية تتماهى مع المعايير التي يضعها الآخرون للإبداع. ورغم انه لا اعتراض على التفضيلات الشخصية لإبداع أديب مقابل أديب آخر إلا أن الاحتفاء المبالغ فيه يجعل المرء يصاب بالحسرة على رموز وطنية لم يحتف بها كما تستحق. رموزنا الشعرية لا تقل إبداعاً أبدا عما يسوّق لنا على انه قمة الإبداع الفني. كلامي هذا صادر عن قناعة بأن العلة ليست إلا في التسويق، وانه ما زال لدينا ما يشبه العقدة تجاه الثقافة الآتية من الشمال رغم أن تراجعها أصبح واضحا حتى لأبنائها. أصدقكم القول إنني حاولت كثيرا أن أرى ذلك الإبداع الذي حدثتنا وسائل الإعلام طويلا عنه في شعر الراحل محمود درويش فلم افلح. ورغم أنني اعرف بان إخفاقي في رؤية ذلك الإبداع لا ينفي وجوده إلا أنني متأكد بان نسبة من يعدونه مبدعا لدينا اكبر من نسبة من قرأوا معظم أعماله. بمعنى أن الإبداع بالنسبة لهم ناتج فقط عن رجع لصدى ما يقوله الآخرون. إنهم، في اعتقادي، يستخدمون تكتيك الهليل. أرجو ألا يفهم حديثي خطأ كانتقاص من شاعرية الراحل، لكن الشعر وإن كان رائعا إلا انه في النهاية ابن بيئته. خذ سعوديا وأسمعه مقاطع شعرية من قصيدة "احن إلى خبز أمي" لمحمود درويش- وهي بالمناسبة من أشهر قصائده- واسأله بعد ذلك عن رأيه. لا أظن بأنك ستجد إجابة يسعد بها محبو درويش. بيد انك لو أسمعته خلوج العوني مثلا لوجدته ينتشي طربا. في المقابل، لو أسمعت ذات النصين فلسطينيا لأعطاك إجابة مختلفة. أدرك إن الإبداع لا يعترف بالحدود، إلا أن الأصح أن الإبداع عموما والشعر خصوصا يعبر عن لواعج النفس البشرية في بيئة معينة ومنظومة القيم العليا التي تعتز بها تلك البيئة.