في زمنٍ يضجّ بالاختلافات وتغيير المعايير وتشعّب الآراء وتباين الشخصيات حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وظهور الكثير من المعتقدات والأفكار ووجهات النظر، وتعدد طريقة التعبير عنها ورُبما فرضها، تفاقمت لدينا نتيجة كل ذلك مشكلة التواصل بينَ هؤلاء الناس، والعيش في تناغم تحت مظلة "اختلاف"، حتى بات من الصعب جداً التأقلم مع كل ذلك! والنتيجة.. اختفاء لغة الحوار بينَ الأفراد.. والمجتمعات. فالحوار حالياً يحتاج إلى الكثير من الموضوعية، والعديد من القواعد والنقاط التي تلمّ كيانه فيصبح نقطة وصل لا اختلاف! "رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأيك خطأ يحتمل الصواب"، لو أننا اعتمدنا هذهِ النقطة في العديد من نقاشاتنا، لكان كلّ شيء أسهل وأكثر تناغماً، ولكن اقصاء رأي الآخر والتمسك بالرأي الخاص بك مهما كان، يبدو نقطة التشوّه. وبعض النّاس يمتلك تلك العنجهية في آرائه، وكبريائه يمنعهُ من سماع وجهة نظر الآخرين أو الاعتراف بخطئه، فيعمد إلى مقاطعتهم، والاستهزاء برأيهم وتهميشم، ولا يكتفي بذلك فحسب، بل يلزم الآخرين على موافقتهِ الرأي وتصفيقهم له! لاشكّ أن الكثير من النّاس صاروا يجتنبون التحاور مع الآخرين هذهِ الأيام، لأنّ الأمر يتحول إلى مشاكل أو أضعف الإيمان ضيق الصدور بما يحمله الحوار من كلمات أو تعدّي الأمر في كثير من الأحيان إلى تهجم على الشخص المقابل. فالتفرقة بين فكر المرء وشخصيته سيسوي الكثيرأيضاً! ماالنتيجة؟ تلاشي لغة التحاور بين أفراد المجتمع، واختفاء نقاط التواصل بينهم، فلا مكان بعدها لتوسيع المدارك.. ولا مدّ النظر إلى أفق التعلّم.. أو التعرّف على وجهات نظر جديدة قد تضفي الإيجابية لشخصية المرء. ستتفاقم المشاكل، وتكثر المناوشات، وترتفع الأصوات، ويكثر الزعيق والصراخء، وتكمم الأفواه فيطفح الكره والرغبة في تشويه فكر الشخص الآخر، واثبات خطئه حتى لو كانَ صحيحاً. فلاوجودَ حينها للتصالح الذاتي مع من حولكء. الحوار الهادف والراقي هو تلك اللغة الجميلة التي بها نفتح آفاق المعرفة مع الأشخاص الذين نقابلهم في حياتنا، حتى أن بوابة ديننا الإسلامي لخّصه باختزال العلماء في قولهم: "الدّينُ المعَاملة". فذلك تقرير يخبرنا أن رسالة الإسلام تبدأ بجذب النّاس إليه عن طريق عذوبة أفراده وحسن معاملتهمء! حيثُ يتقرر ذلك بتقبل فكر الطرف الثاني، واحترام وجهات نظره، ومحاولة التقرب إليه بالحُسنى، وكسر حواجز التطرّف للآراء والمعتقدات، فيكون بذلك الولوج إلى شخصية الطرف الآخر سهلاً وسلساً وأكثرَ تقبلاً. قال تعالى: (شرّع لكُم من الدّين ما وصّى بِه نُوحًا والذّي أوحَينا إليكَ وما وصّينا به إبرَاهيم ومُوسى وعِيسَى أن أقِيمُوا الدّين لا تتَفرقُوا فِيه). سورة الشورى