التخلص من ربقة البيروقراطية من المفترض أن تكون هي المهمة الوطنية رقم واحد في خارطة طريق إصلاحنا الإداري. ما نحتاج إليه هو التفكير خارج الصندوق وابتكار حلول خلاقة تتعدى المألوف والاستفادة المثلى من تجارب من سبقونا، لنكتشف بعدها بان هناك ثمة طرق بإمكانها قهر الروتين ومعالجة مشاكل سوء الخدمات وضعف الكفاءة. الغريب انه في الوقت الذي يشتكي الكل من البيروقراطية التي لا تجد جهازا حكوميا واحدا لا يعاني منها، إلا انك، في نفس الوقت، لا تجد جهازا حكوميا واحدا استطاع تحديها والتغلب عليها. يقال إن مرد البيروقراطية الخانقة لدينا هو خشية الرعيل الأول من الموظفين الوقوع في الخطأ ومحاولة تحصين الذات تماما بنصب شبكة كثيفة ومحكمة من الإجراءات والتدابير تشمل اكبر قدر ممكن من الطلبات والتواقيع التي تجعل من مرور الخطأ مستحيلا. هذه الشبكة أفلحت في اصطياد الأخطاء لكنها في المقابل خنقت انسيابية العمل وجعلت ما يمكن أن ينجز في دقائق ينجز في ساعات. في علم الإدارة الحديثة، تم تجاوز هذه العقلية باستبدال العقبات التي تمنع وقوع الخطأ بالعقوبات التي تردع مرتكبي الخطأ. تفتيت الأجهزة الحكومية إلى وحدات اصغر ومنحها الصلاحية المالية والإدارية والقدرة على التحرك من السياسات المجربة في محاربة البيروقراطية ورفع الأداء الوظيفي. تخيلوا مثلا لو تم منح إدارة مرور الرياض استقلالها المادي والإداري بمعنى أنها تستطيع التصرف في الأموال التي تحصلها نتيجة الغرامات وإصدار رخص السير وتسجيل السيارات وما إلى ذلك. أجزم بأن شكوى إدارة المرور الدائمة من انخفاض عدد الأفراد وفقر التجهيزات ستنتهي متى ما صار بإمكانها الاستفادة من إيراداتها. ما ينطبق على المرور بالإمكان تطبيقه بنجاح اكبر على البلديات مثلا التي يعاني المواطنون من قلة مراقبيها وضعف تأهيلها. الإدارة بالتحفيز نظرية أثبتت صحتها بحيث أصبح من السخف حاليا التشكيك في فعاليتها. في الاتحاد السوفياتي السابق كانت محاصيل المزارع تنخفض عاما بعد آخر، لان الحكومة المركزية في موسكو كانت تستولي على الإنتاج وتمنح المزارعين أجرا ثابتا مقابل محصولهم بغض النظر عن زيادته أو نقصه. انعدام الحافز لدى أولئك المزارعين هو الذي جعلهم لا يبالون سواء كان ناتج محصولهم جيداً أم لا. محاولة ابتكار الحلول والسعي بلا كلل نحو تحسين الخدمات وتيسير الإجراءات دليل حيوية، إلا انك للأسف لا تشاهده كثيرا في جهازنا البيروقراطي.