السعودة أمنية نرجو تحقيقها في أقرب وقت، ولكن الحلم يبدو صعب المنال، السعودة - يا سادة - لا تنفك عن علل المجتمع وثقافته وعاداته، وستبقى حلماً في أذهان المثقفين، وهماً للمخلصين، ما لم نعد النظر في آليات تطبيقها، ولا يمكن أبداً أن نفرض على الشركات والمؤسسات مشروع السعودة لتحقيق طموحاتنا الوردية، دون النظر إلى تغيير تصورات الشباب تجاه احترام العمل وتقدير الوقت، فماذا بذلنا تجاه: ثقافة حب الإنتاج، والسباق في مضمار العمل، وغرس فضيلة شرف المهنة في نفوس الجيل؟، إنني أكاد أجزم أن التصور الذي كان يحمله العربي الأول عن بعض المهن لا يزال يعشش في عقول الغالبية من الشباب اليوم، فقد كان ذلك العربي يفضل النهب والسطو - ولا يراه عيباً - بدلاً من أن يحترف بعض المهن التي يراها تحط من كبريائه وقدسيته الشخصية، وهكذا اليوم، الشاب يريد كرسياً دواراً، ومكتباً فخماً، وأهم من هذا وذاك أن يأمر وينهى، ولو على قطيع من "البهم"، أضف إلى ذلك حاجته الملحة لسماع عبارات التبجيل والاستجداء، ليرضي نفسه المعتلة، وإلا فإنه يفضل التسكع في الشوارع، والسرقات، وممارسة التفحيط، وكل ما يتعلق بهذه العادات السيئة، إنني أرى أن كل الجهود التي تبذل لسعودة الوظائف ستبوء بالفشل، إن لم تكن شبعت فشلاً، نحن يا - إخوة - نحتاج إلى تغيير قناعات، وإصدار الأوامر لا يكفي أن ينهض بمشروع كهذا! إننا نحتاج أن تتضافر كل مؤسسات المجتمع لتحقيق هذا الهدف، وغرس مفهوم: ماذا يعني العمل والجد والمثابرة للشاب وللمجتمع، فكل يقوم بدوره: المدرسة تشارك، والإعلام بكل وسائله - وبخاصة التلفاز - يشعل حماس الشباب نحو العمل، والمسجد يبين أجر الكسب باليد، ويذم اليد السفلى، والمهرجانات تعقد النقاشات لإبراز حب العمل وخدمة المجتمع، وأخيراً أقول لكل من يلوم الشركات والمؤسسات على عدم تحمسها لهذا المشروع، عليك بالإنصاف والعدل، فرجل أفنى زهرة عمره، ليبني صروحاً من التجارات ليس لديه استعداد أن يوظف شاباً كسولاً عابثاً، يجيد التمرد على أوقات الدوام، ويأنف من متطلبات الوظيفة، ولكن لديه استعداد أن يصرف راتباً لأي واحد من أمثال هؤلاء ويضعه في المكتب - كديكور لزوم برنامج السعودة - ولا يسلمه عملاً حقيقياً، ليجلب له الخسائر، والنكبات، ولكن لو سلمته شاباً نشيطاً مثابراً ومدرباً، فإنه سيفرح به ويكرمه، وحتى لا أنسى: تحية معطرة بالفخر والاعتزاز لكل الشباب السعودي الذين كانوا مثالاً للجد والإخلاص، وأوسمة مشرفة في كل محفل، بخاصة الشباب الذين احتكوا بخبرات عالمية - في مختلف المواقع.