امرؤ قيسنا الجديد، هكذا كنا نراه دائماً، خصما شعرياً، الضاغط الجمالي على المعنى وهو يتفتح على راحة كفك وردةً، تجعلها في جيبك خشية أن يراها أحد فيقلد تدلي تويجها وحمرة خدها، وتخشى أن تسقط من جيبك وتدوس عليها دون أن تنتبه من فرط الزحام في الكافيتريا، يحدث كل ذلك حتى تمر وأنت منشغل بالساعة تقيس نبض الوقت، لترى الوردة معروضة في محل "درويش للزهور". ب كيف لي أن انتصف لنفسي من شعره المبرّح، وكيف لي أن اتكئ على عصا قافيتي دون أن أشير إليه حين يسألني عابر: من أين لك هذه؟ ج كنا نقول: له الأرض ونحن لنا اللاشيء، يكتب عن الزيتون فنكتب نحن عن اللازيتون، يكتب عن شجر الزنزلخت، فنكتب عن شيء أسهل نطقاً، يكتب عن العناب فنترك الحشف البالي. لكننا رغم كل ذلك نعد قافيته متكأً ونجلس نقشر فاكهة المعنى كالبرتقال، ونختلف معه على الزبد وقد قطّعنا أصابعنا، لنخرج إلى قصائدنا سالمين. د المارون بين الكلمات نائمون، فمن سيوقظ النائمين بين الكلمات العابرة؟ من سيوقظهم ليكملوا مرورهم ويخرجوا من ملحنا ومن بحرنا، ومن جغرافيتنا الناقصة. ومن سيدق بالهاون بنّ الكلمات كل صباح حتى يوقظهم، ويسقيهم من ريحنا المرة حتى الثمالة؟ ه إذاً، نحن من نحن في الميسسيبي يا أبا سليم، أخ يقتل أخاه، وسكين يجرح نفسه، وحرف يخون الوزن والقافية. و أين أينك الآن؟ فأنت منذ الآن غيرك! أنت في رجل زرع سروة لأنه أحس بأن السماء ناقصة بعد أن جلس في حديقته الخلفية وقرأ : السروة انكسرتء. لابد أن عدوك ذا الحاجبين الكثيفين يمسك الغليون الآن في يد وكتابك في يد ويقول لزوجته وهو يضحك: هذا الشقي يقصدني. وعدو آخر يهرول على رصيف في نيويورك إلى مطعم إيطالي مجاور، يتذكر: اخرجوا من أرضنا من برنا من بحرنا.. إلخٍ إلخٍ، ومن فرط انشغاله بالكلمات سقط في بالوعة. أنت في طفل يركض حول البئر وينظر في مائه ويقول: أين قمري الثاني؟ كلماتك التي تعصر القلب ليمونةً، في فتاة في انتظار عبّارة تقشر برتقالة بسكين سويسرية وتبكي: لا شيء لا شيء أكثر من نحلة عبرت في دمي. أنت في مذيعة تخون كلماتك الداكنات بخدشٍ طفيفٍ على خد اللغة العربية. أنت في مكتبة أنيقة وسط المدينة، يقف عندها باص مدرسة وينزل منه أقمار صغار منضودين لؤلؤةً لؤلؤةً في طابور طويل يدخلون كالعسكر باسمين. أنت منذ الآن حرُّ.. وحرُّ وحرُّ كانبرا، أستراليا 1429/8/14ه