في سعيها المستمر لمواجهة أزمة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار اتخذت الحكومة العديد من القرارات والإجراءات بعضها يهدف إلى كبح جماح الارتفاعات المستمرة في الأسعار ومنها ما يصب في خانة التخفيف من الآثار والأضرار التي قد تلحق بالمواطن والمقيم نتيجةً لهذه الأزمة، وقد كان من هذه الإجراءات على سبيل المثال: إقرار بدل غلاء المعيشة في رواتب موظفي القطاع الحكومي، ودعم بعض السلع والمواد الاستراتيجية كالأرز والحليب، إضافة إلى التأكيد على تفعيل السياسات والإجراءات المتعلقة بحماية المستهلك ومراقبة الأسعار ومكافحة الغش التجاري. ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو عن مدى كفاية وفعالية هذه الإجراءات، وعن مدى إمكانية استمراريتها على المدى الطويل؟؟ وقبل أن نحاول الإجابة على هذا التساؤل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار المعطيات التالية: @ أولاً: إن أزمة الغلاء وارتفاع الأسعار التي نعيشها ونعاني منها ليست محلية أو إقليمية بل هي مشكلة عالمية يشترك معنا في المعاناة منها معظم دول العالم إن لم تكن كلها. @ ثانياً: إن التزام المملكة بمبدأ الاقتصاد الحر من جهة، وبشروط منظمة التجارة العالمية وقوانينها والتي تسعى للانضمام إليها من جهة أخرى تقيد من حريتها في مسألة التحكم بالأسعار أو في إلزام التجار بسياسات أو شروط تتناقض مع هذه المبادئ أو تخالفها. @ ثالثاً: لا يمكن ربط هذه الأزمة بعامل أو سبب منفرد كمن يقول بارتفاع أسعار النفط، بل إن هذه الأزمة هي نتيجة تضافر عدد من العوامل والأسباب مما يعني استمرارية هذه الأزمة باستمرار أسبابها التي قد تطول بل من المتوقع أن تزيد. إن هذه المعطيات تقودنا إلى استنتاج مفاده أن الاكتفاء بالتذمر والاحتجاج والاعتماد على الإجراءات أحادية الجانب من قبل الدولة لن تجدي نفعاً في معركتنا ضد غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، بل إن سعي الدولة لمواجهة هذه الأزمة والحد من آثارها يجب أن يقابله تحرك فعال من قبل المواطن يساهم من خلاله في دعم جهود الدولة وقراراتها في هذا الشأن، وذلك من خلال التكيف مع هذه الأزمة والتعامل معها بواقعية، ومحاولة امتصاص آثارها بدلاً من التذمر وانتظار زوالها وهو انتظار قد يطول أمده. وعملية التكيف هذه تتطلب من المجتمع - وخاصة من ذوي الدخل المحدود أكبر المتأثرين بهذه الأزمة- تغيير الكثير من الأنماط الاستهلاكية والعادات الشرائية التي تركز في معظمها على الكم وليس الكيف، ويغلب عليها الإسراف والتبذير، وتتنافى مع ابسط مبادئ التوفير والادخار، ولعل ذلك يظهر بوضوح في تصميمنا للمساكن بمساحات واسعة قد لا نحتاج إليها، وفي ما نشتريه من احتياجات منزلية قد ينتهي صلاحية بعضها دون أن نستخدمه، وفي المظاهر المصاحبة لمناسباتنا الاجتماعية التي يحضرها من عرفنا ومن لم نعرف، وفي العمالة المنزلية الزائدة عن الحاجة وغير ذلك من العادات والسلوكيات التي تتسم بالشراهة الاستهلاكية والتي هي في معظمها من إفرازات الطفرة الاقتصادية التي شهدها المجتمع السعودي نتيجةً لارتفاع أسعار النفط منتصف سبعينيات القرن الماضي. كل هذه الأنماط والسلوكيات لابد أن تختفي وتزول، ويحل محلها عادات وأنماط بديلة تتوافق مع روح العصر الذي نعيشه، وتتناسب مع قدراتنا المالية وإمكانياتنا المادية المتوفرة لنا في ظل مشاكل التضخم وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة. كما أن في ذلك امتثالاً لتعاليم ديننا الحنيف الذي نهى عن الإسراف والتبذير وتجاوز الحد حتى في أعظم العبادات وأشرف القُربات التي حث عليها وأكثر من مدحها وهي الصدقة والإنفاق، حيث يقول الله عز وجل في سورة الإسراء (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)). الرياض moc.evilswodniw@namht3_oba \