بعد حوالي أكثر من عشر سنوات على استقرار الوسائل الاتصالية المستحدثة المتمثلة في الإنترنت، والفضائيات الإذاعية والتلفزيونية، أصبح الشباب العنصر الأكثر قرباً من هذه الوسائل الإعلامية المستحدثة من جهة، والأكثر استخداماً لما تستحدثه هذه الوسائل من وظائف ومضامين جديدة. في ظل هذا الواقع من البديهي أن نتساءل عن علاقة اعتماد الشباب السعودي على وسائل الإعلام الوطنية ومستوى استخدامه للمستحدثات الاتصالية؟ وما العوامل المؤثرة في هذه العملية مثل نوع ودرجة تحقق الإشباعات الوظيفية بناء على مستوى الاعتماد والاستخدام؟ ثم ما هي المتغيرات الديموجرافية المؤثرة في عمليتي الاعتماد والاستخدام للوسائط التقليدية والمستحدثة؟ للإجابة عملياً على هذه الأسئلة قام الدكتور عبد الله بن محمد بن حسن الرفاعي من قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعمل دراسة مقارنة على عينة من الشباب في مدينة الرياض (بلغ مجموع مفردات البحث (343) مفردة منها 170مفردة في عينة الإناث، و 173مفردة في عينة الذكور)، توصل فيها إلى مجموعة نتائج أثبتت أن معدلات الاعتماد على الوسائل التقليدية الوطنية كانت متوسطة حيث تقلصت فئات الاعتماد العالي بين عينة الدراسة، كما مثَّل التلفزيون أعلى الوسائل في معدلات الاعتماد بين الشباب السعودي في الوقت الذي كانت فيه معدلات الاعتماد على المجلات في أدنى درجة، وتوسطت بينهما الصحف والراديو. وجاء معدل اعتماد الشباب على الوسائل المستحدثة أعلى من معدل الاعتماد على الوسائل التقليدية الوطنية، في حين مثل التلفزيون الفضائي أعلى معدلات الاعتماد بين عينة الدراسة تلاه الصحافة الإلكترونية ثم الإذاعات الفضائية. أما المستحدثات الوظيفية المتمثلة في الألعاب الإلكترونية ورسائل المحمول فقد جاءت في معدل اعتماد يتجه إلى الضعف، وكذلك المستحدث المتعلق بالمحتوى الإعلامي المتمثل في نمط تلفزيون الواقع، وإن مثلت معدلات الاعتماد العالية نسباً مهمة. ومن جهة أخرى بينت الدراسة وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين درجة الاعتماد على الوسائل التقليدية الوطنية ونوع الإشباعات الوظيفية ومستوى تحققها في كل من الصحف والراديو، بينما لم تثبت هذه الفرضية على مستوى المجلات والتلفزيون، وكذلك تبين وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين درجة الاعتماد على الوسائل المستحدثة ونوع الإشباعات الوظيفية ومستوى تحققها وهو ما يؤكد صحة الفرض الثاني، ويشير إلى وجود علاقة تفاعلية بين الاعتماد وتحقق الإشباع بالنسبة للوسائل المستحدثة مقارنة بالوسائل التقليدية الوطنية التي يقوم فيها اعتياد التعرض بالدور الأكبر في الاعتماد. ومن النتائج الأخرى للدراسة اتضح وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين مستوى استخدام المستحدثات الاتصالية المتعلقة بالوظيفة والمضمون وبين مستوى الاعتماد على كل من الوسائل التقليدية والوسائل المستحدثة، حيث تبين وجود تأثير مباشر بين استخدام هذا النوع من المستحدثات ومعدلات استخدام الوسائل المستحدثة، وبينما غاب هذا التأثير المتبادل على مستوى وسائل الإعلام التقليدية باستثناء رسائل المحمول، كما تبين تأثير متغيرات (مستوى الدخل، منطقة الإقامة) في مقابل عدم تأثر معدلات الاعتماد على الوسائل التقليدية الوطنية بالمتغيرات التالية (النوع، العمر، المستوى التعليمي)، وتبين كذلك تأثير متغيرات (النوع، العمر، مستوى الدخل، منطقة الإقامة) في مقابل عدم تأثر معدلات الاعتماد على المستحدثات الاتصالية بمتغير المستوى التعليمي فقط. وفي المقابل تبين عدم تأثر معدلات الاعتماد بنوع الإشباعات على مستوى وسائل الإعلام التقليدية الوطنية إلا بشكل عكسي فيما يتعلق بالإشباعات الترفيهية، كما تأكد تأثر معدلات الاعتماد على المستحدث الاتصالي بنوع الإشباعات الإخبارية والثقافية، في مقابل اتفاق عالٍ جداً على مستوى الإشباعات الترفيهية وتراتب عكسي على مستوى الإشباعات التعليمية، وكذلك اتضح تأثير ارتفاع معدلات الاعتماد على الوسائل الوطنية في ارتفاع معدلات استخدام المستحدثات، وهو ما يعني أن التعرض للإعلام الوطني يخلق دافعاً للتعرض للمستحدث، وثبت أن العكس لم يكن صحيحاً. لذا أوصت الدراسة في ختامها بضرورة التوقف عن محاربة هذه المستحدثات تحت دعوى نشرها لثقافات مضادة بعد أن اتضح من خلال الدراسة وجود حالة من الانتماء بين الشباب لمصدر الرسائل الاتصالية، حيث يهتم الشباب بالمضمون المحلي ثم الوطني ثم الخليجي ثم العربي ثم الأجنبي، وهو ما يقلص من مخاوف استخدام المستحدثات، كما أوصت بضرورة تحديث محتوى الإعلام الوطني، والسعي وراء التكامل مع المستحدث، مع ضرورة تشجيع الاستثمارات السعودية في المجال الإعلامي الحديث، حيث أثبت الموجود منها جدارته في جذب الشباب السعودي، وكذلك ضرورة تغيير الأفكار المضادة لاستخدام المستحدثات حيث إن المستحدثات في المجال الاتصالي تتطور بشكل لا يمكن وقفه أو تجنبه. ودعت الدراسة إلى وجوب إعادة النظر في البعد الترفيهي في الوسائل الوطنية بعد أن تبين تقلصه، ولا سيما وأن البعد الترفيهي قد صار متوافراً عبر المستحدثات، وهو ما أثبتته الدراسة حيث حظيت الإشباعات الترفيهية بأعلى المعدلات لدى الفئات عالية الاعتماد على المستحدث، وهو ما يؤكد ضرورة إعادة تأهيل هذه الوظيفة في الإعلام الوطني، مع تدعيم المضامين الدينية على مستوى الراديو والتلفزيون في الإعلام الوطني مع تطوير هذه المضامين على مستوى أساليب العرض والمعالجة وذلك بعد أن تبين اتجاه الكثير من الشباب نحوها.