أعلن مساء أمس وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش في مستشفى "ميموريال هيرمان" في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد تدهور حالته الصحية إثر مضاعفات ألمت به، بعد أن أجرى عملية جراحية في القلب يوم الأربعاء الماضي، لتوسيع أحد شرايينه، وقد أعلن عن نجاح العملية في وقت سابق، وتلك هي العملية الثالثة التي يخضع لها قلب درويش، حيث تعرض لنوبة قلبية سنة 1984م وتلتها أخرى سنة 1998م. اشتهر محمود درويش بشعره وبنضاله السياسي ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وانتقاداته الحادة لمنظمة التحرير، والتي استقال من عضوية لجانها التنفيذية بعد توقيع اتفاقية أوسلو للسلام بيوم واحد، سنة 1993م، تلك الانتقادات التي شاركته فيها وجوه ثقافية فلسطينية عدة من أبرزها كذلك المفكر إدوارد سعيد، ويعد درويش من أبرز شعراء المقاومة والثورة الفلسطينية. يمكن اعتبار محمود درويش واحداً من أهم الوجوه الشعرية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، وأحد أكثر الشعراء العرب قدرة على التجديد في نتاجه بشكل مستمر، فالفارق شاسع بين دواوين درويش التي أصدرها في نهاية الستينات الميلادية، وبين ما أصدره في التسعينيات وبداية هذه الألفية، يعد درويش أبرز من استثمر الرمز في الشعر العربي، وخاض غمار قصائد التفعيلة والنثر، دون أن يعبأ بإشكاليات القوالب الفنية، والتي تحدث عن وجوب تجاوزها، مسافة طويلة تلك التي قطعها محمود درويش من ديوانه "أوراق الزيتون" عام 1964م وحتى آخر يومياته "أثر الفراشة" والذي صدر مؤخراً، وضمت اليوميات مجموعة من قصائد النثر. كتب محمود درويش ما تسمى ب "وثيقة إعلان الاستقلال" سنة 1988م والتي أعلنت في الجزائر، ونصت الوثيقة على استقلال دولة فلسطين، وعاصمتها القدس، ودُعمت الوثيقة من 105دول، وتم على إثرها توزيع ما يقارب ال 70سفيراً فلسطينياً حول العالم. كما حصل محمود درويش على العديد من الجوائز العالمية، من أهمها: جائزة لوتس عام 1969م، جائزة البحر المتوسط عام 1980م، درع الثورة الفلسطينية عام 1981م، لوحة أوروبا للشعر عام 1981م، جائزة ابن سينا في الإتحاد السوفيتي عام 1982م، جائزة لينين في الإتحاد السوفييتي عام 1983م، وجائزة 7نوفمبر التونسية الرفيعة، والتي تسلمها من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وأخيراً حاز على جائزة "الأركانة" العالمية للشعر في دورتها الثالثة 2008م والتي يمنحها بيت الشعر في المغرب، وكان من المقرر أن يتسلمها رحمه الله في أكتوبر القادم. محمود درويش من مواليد بلدة البروة عام 1941م، والتي دمرت في الكامل سنة 1949م وحلت محلها قرية احيهود، بدأت حياته السياسية ناشطاً في الأحزاب الشيوعية الإسرائيلية سنة 1961م، ولم يمنح الجنسية الإسرائيلية لأنه لم يكن موجوداً في فلسطين في وقت أول إحصاء للعرب، حيث منح بطاقة هوية لا أكثر، وسجن عدة مرات في تلك الفترة بسبب مغادرته حيفا دون تصريح، وبعد منعه من الدراسات العليا في إسرائيل، درس الاقتصاد السياسي في موسكو سنة 1970م، وبعدها عمل في صحيفة الأهرام المصرية سنة 1971م، والتحق بعدها بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومنع من العودة إلى إسرائيل، وعاش في بيروت بالفترة بين 1973م و1982م، حيث عمل رئيساً لتحرير مجلة "شؤون فلسطينية" وبعدها عاش منفياً في باريس في الفترة بين 1985م و1995م، بعد أن تنقل بين عواصم عربية وأجنبية عدة، إلى أن استقر في رام الله سنة 1996م، وأثارت قصائده العديد من الأزمات السياسية في الداخل الإسرائيلي أكان على مستوى رئاسة الوزراء أو الكنيست. صدرت له عشرات الدواوين الشعرية على امتداد خمسة عقود، كرسها للمقاومة والثورة، وغنى بعض قصائده الفنان مارسيل خليفة "أحن إلى خبز أمي" و"ريتا" وغيرها، من دواوينه أوراق الزيتون، وعاشق من فلسطين، وذاكرة للنسيان، ولماذا تركت الحصان وحيداً، وجدارية، سرير الغريبة، حالة حصار، أحبك أو لا أحبك، الكتابة على ضوء البندقية، العصافير تموت في الجليل، يوميات جرح فلسطيني، وعابرون في كلام عابر، كما صدرت له الأعمال الشعرية الكاملة 1973م عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وترجمت قصائده إلى العديد من اللغات العالمية، من أبرزها الفرنسية والإنجليزية والعبرية.