في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ديسمبر الحالي كان الرقيب مايكل بوسنر يقف في وسط صالة الطعام المزدحمة في قاعدة ماريز للعمليات المتقدمة يحمل صينيته المليئة بما لذ وطاب من شرائح الجبن والمقليات لوجبة الغداء يجول ببصره بحثا عن اصدقائه عندما وجد نفسه فجأة يسبح في الفضاء من جراء انفجار ضخم. وتناثرت طاولات الطعام المتراصة في فوضى عارمة بين الركام والدماء وعلت الصيحات في كل ارجاء الصالة وتحول الجو الى ظلمة بسبب الدخان والغبار بدت من خلالها تظهر ببطء وجوه الناجيين والقتلى. وفي يوم الجمعة كان الرقيب بوسنر البالغ من العمر اربعة وثلاثين عاماً من مدينة فار مينغفل في ولاية نيويورك احد مئات الجنود الذين ذهبوا الى مسرح السينما بالقاعدة للمشاركة في اداء مراسم عسكرية تأبينا لاربعة عشر جنديا امريكيا قتلوا في الاعتداء واظهر المشاركون في تلك المراسم حزنا دفينا على زملائهم القتلى عبر اداء طقوس عسكرية حزينة. تلك كانت قصة ما حدث في ذلك اليوم عندما لقي اثنان وعشرون شخصا مصرعهم في اعنف اعتداء منفرد ضد القوات الامريكية منذ ان استعاد العراق رسميا سيادته في الصيف الماضي. وادلى الرقيب بوسنر المصاب بجروح بشهادته عن الحادث المرعب يوم الجمعة.وقال مسؤولون ان المعتدي الانتحاري زود قنبلته بمواد حادة تنطلق مع الانفجار لتنغرز بعمق في الاجساد لتقتل من تقتل وتشوه من ينجو من الموت.وقام وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قبل اداء المراسم العسكرية للقتلى بزيارة القاعدة من اجل اظهار تقديره للضحايا ضمن زيارة مفاجئة له قبل احتفالات الميلاد.وقال الرقيب بوسنر انه بالرغم من ضخامة بدنه فان قوة الانفجار اطارته بقوة في الهواء وقال ان آخر شيء يتذكره انه وجد نفسه يتلوى بعد سقوطه على الأرض بسبب اصابته وانه شعر كأنما شيئا اصابه في مفصل وركه وشعر بآلام حادة للغاية وحاول الزحف مبتعدا عن مكان الانفجار وقد انتشرت بقية اصاباته في جسده من رأسه وحتى فخذه حيث لا تزال شظية مغروسة فيه وفي ساقه اليمنى الملفوفة بضمادات وقد ازيلت شظية انفجار من رأسه.وقال بوسنر ان المنظر كان مرعبا حقا فقد تناثرت اعضاء بشرية في كافة ارجاء مكان الانفجار. ومضى بوسنر قائلاً كما اتذكر زحفي فوق احدهم وهو يئن من الالم المبرح وكان يصرخ من شدة الالم فقد كان مدنيا امريكيا وكان ينزف دما ويستغيث طالبا مساعدته وواصلت زحفي لخارج الصالة عبر الطاولات والمناضد المحطمة والدماء المتناثرة فقد كان مدمراً والناس يصرخون في كل مكان فقد كان مشهداً مفزعا في الداخل.وحاول الرقيب بوسنر جهده محاولا ايجاد قطعة سلاح والوصول الى خندق في الخارج معتقداً بأن الاعتداء بسبب قصف صاروخي وكذلك افاد كثير من الجنود الناجيين الذين ادلوا بشهاداتهم ولم يقل احد منهم انه كان هناك ما يثير الريبة داخل صالة الطعام، وتعتقد السلطات الآن ان انتحاريا كان يرتدي بزة الجنود العراقيين نفذ التفجير.وقال الرقيب بوسنر ان شريطا عائليا مر بذهنه في ذلك الوقت العصيب حيث رأى خيال وجه زوجته وطفله امام عينيه، وتمكن بوسنر أخيراً المغطى بالدماء من العثور على خندق حيث كان احد الجنود يقوم بمساعدة زميل له من اصابات متنوعة في الصدر كما كان في الخندق جنديا آخر يجلس في ذهول وصدمة.وقالت نانسي زوجة الرقيب بوسنر من ضاحية سفولك في مدينة فار مينغفل يوم الجمعة ان زوجها اتصل بها يوم الثلاثاء ليطمئنها انه بخير غير ان الاتصال انقطع فجأة وكانت تلك احلك لحظات حياتها ولكنه اتصل بها في وقت لاحق.وهكذا تمضي قصص وشهادات الناجيين من ذلك الاعتداء المباغت والعنيف والذي ترك الكثير من الالم والحزن والذكريات المؤلمة بين الجنود وذويهم. (خدمة نيويورك تايمز - خاص بالرياض)