احتفل الأردنيون في الخامس والعشرين من أيار الماضي بالذكرى الثانية والستين لعيد الاستقلال بما تعنيه المناسبة من تراكم لإنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية حققها الأردن منذ العام 1946.ويُسجل للأردن سعيه لتحقيق التنمية الشاملة بوتيرة متصاعدة لتكريس دولة القانون والمؤسسات، ودوره العربي والدولي سواء لجهة استضافة المنتدى الاقتصادي العالمي في أكثر من دورة، والحراك الذي يقوده الملك عبدالله الثاني لدعم الأمن الإقليمي، وتحقيق السلام في منطقة تعج بالصراعات والتحديات كما في العراق وفلسطين. كما يُسجل للملك عبدالله الثاني، دعوته المستمرة لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك منطقة الخليج العربي والتزام الأردن بالدعوة لحل النزاعات بالحوار والطرق السلمية واعتماد قرارات قمة بيروت في 2002لتأكيد السلام العربي مع اسرائيل. ولعل أهم المحطات التي تُميز النهج الأردني تتمثل بالوسطية والاعتدال كما جاء في رسالة عمّان، وكان وقوعه في منطقة تشهد توترات دائمة مؤشراً على نجاح الأردن في التعاطي مع هذه التداعيات بشكل واقعي وعقلاني ما أسهم ايضاً في دعم الحراك الاقتصادي وجلب الاستثمارات الضخمة التي تشهدها العاصمة الأردنية عمّان وبقية المدن والمحافظات الأردنية هذه الأيام. ولأن الشباب هم الأكثرية في المجتمع الأردني الفتي، فإن الملك عبدالله الثاني يقود سياسة تعتمد على إطلاق طاقاتهم عبر هيئات ومؤسسات عديدة كما في هيئة كلنا الأردن، التي عقدت اجتماعاتها العام الماضي في البحر الميت، للخروج بتوصيات تقود عملية التغيير في الأردن. ويلاحظ أن الخطاب الأردني يحرص على الاستثمار في الإنسان في بلد يخلو من الموارد الطبيعية والثروات ويعتمد على السياحة والخدمات في اقتصاده. وبما أن التنمية والأمن متلازمان في كل الدول، فقد استطاع الأردن من خلال مؤسساته الأمنية المتقدمة وانفتاحها على المواطنين إضافة لصياغة قوانين عصرية لمواجهة الارهاب والتطرف أن يُكرس استقلاله الوطني ويدعم مسيرته ويحافظ على استمراريتها. ويُعتبر الدستور الأردني احدى المحطات المهمة في تاريخ الدولة الأردنية، فقد اعتمد الأردن نظام الشورى لحين عودة الحياة النيابية عام 1989خلال مرحلة صعبة من تاريخه. ويقول الأردنيون ان الاستقلال يُمثل لهم عنوان انطلاق لمسيرة تجاوزت 62عاماً حققوا خلالها خطوات نوعية لتأسيس دولة حديثة وعصرية وإنشاء مؤسسات رائدة في مجال الطب والتعليم العالي والإدارة والاقتصاد. وللأردن حضوره المؤثر على الساحة الدولية أو العربية بما تتسم به السياسة الأردنية من واقعية في التعامل مع معطيات الأمور، ويُشار في هذا الصدد إلى أن أهم المحطات في السياسة الأردنية تمثلت بحكم الملك حسين بن طلال واستمرت لغاية عام 1999.وان كان الملك عبدالله الثاني، يقود الأردن نحو تثبيت دعائم الدولة بخُطى واضحة باحتضانه للشباب وإعلائه من شأن القوانين، وتأكيده الدائم على لازمة التوسط والاعتدال في السياسة الأردنية الخارجية إلا أن ظروف المنطقة وموقع الأردن الاستراتيجي والتركيبة الديمغرافية للسكان تمثل أولى التحديات وأهمها في سعيه لترسيخ الانتماء للدولة الأردنية كمفهوم ومكونات، بعيداً عن الانتماءات القبلية والعرقية والطائفية، وقد حقق الأردن انجازات مهمة في هذا الشأن على طريق دمج كل المكونات الديمغرافية في منظومة الدولة بغض النظر عن المنابت والأصول. وثاني هذه التحديات خطر التطرف والارهاب، وقد أنجز الأردن الكثير لمواجهة التطرف، وقاد حراكاً اجتماعياً وإعلامياً متواصلاً عبر نشر رسالة عمّان والتعريف بها واستضافة مؤتمرات عديدة لتأكيد أهمية إبراز سماحة الإسلام واعتداله وتوسطه. ويجمع سياسيون وكُتّاب وصحفيون أردنيون، أن قضية الكونفدرالية والفدرالية، كأحد أشكال العلاقة بين الأردن وفلسطين تدفع باتجاه تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه الالتزام بإقامة دولة فلسطينية وهو ما يرفضه الأردنيون، لأن الحل سيكون على حسابهم وهذه القضية تشكل ايضاً إحدى التحديات التي تبرز بين الفينة والأخرى في الخطاب الأردني والمنتديات والحوارات. وإن كان الأردن قد تجاوز باعتداله كل المحطات الصعبة في تاريخه منذ الاستقلال في 25أيار 1946إلا أن تعزيز الإنجازات ورفع مستوى المعيشة، ومحاربة الغلاء ما زالت قضايا تؤرق الشارع الأردني، في احتفال العام الحالي.