كلما فتحت قارورة عصير ذات غطاء مزود ب "كبسولة الأمان"(Safety Button)، وسمعت صوت ال (Pop Up) الذي يدل على صلاحية العصير، تذكرت ذلك العجوز الذي أبتكر تلك الفكرة ويملك حقوقها التي يحصل بموجبها على مبالغ طائلة من كل مصنع يستخدمها. وفي المقابل أتذكر بحسرة واقع مجتمعنا الذي تنتشر فيه القرصنة حتى أصبحت الحقوق المحمية هي الاستثناء من قاعدة القرصنة التي شملت كل شيء، وتركت أثراً سلبياً على الاستثمار في الرياضة السعودية. بالأمس وقعت شركة الاتصالات السعودية عقداً كبيراً لرعاية الأندية السعودية، وبادرت شركة "زين" بتوقيع عقد مميز لرعاية المنتخبات السعودية، ولكنني أرى أرقام تلك العقود أقل بكثير من الطموح، ولكنني ألتمس العذر لتلك الشركات بعدم تقديم عروض أعلى لسببين هامين: ندرة المنافسة وضعف الحماية. بمعنى أن المتنافسين في سوق الاستثمار في الرياضة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وهم تحديداً شركات الاتصالات الثلاث التي تقاسمت أهم الأندية والمنتخبات، أما السبب الآخر فهو محور هذا المقال، حيث لا يضمن المستثمر استعادة جزء من المال الذي ينفقه بشكل يحاكي الدول المتقدمة في هذا المجال الهام، فليس هناك شركة تدفع لمجرد دعم الرياضة دون الحصول على عوائد أكبر. من هنا تبدأ الأسئلة: كم هي الأفكار الاستثمارية الرائعة التي يملكها الخبراء في هذا المجال ولكنهم يمتنعون عن تطبيقها على أرض واقعنا المؤلم إذا تكررت أمامهم قصص القرصنة التي لم تجد اليد الحديدية التي تردعها عن سرقة حقوق الآخرين دون وجه حق؟ إنني أراهن بأن في شباب الوطن من يملك أفكاراً خلاقة ستدر الملايين على خزائن الأندية والاتحادات ولكنه يرى القرصنة في زوايا شارعنا الرياضي فيتردد عن الإقدام خوفاً من ضياع الجهد وسرقة الفكرة وهدر الفرصة الاستثمارية. قبل سنوات وقع الاتحاد السعودي عقداً مع شركة "بوما" للملابس الرياضية، ولم يكن المبلغ مقنعاً، ولكنه كان الأفضل بين العروض الأخرى، والسبب الرئيس هو انعدام الحماية لمنتجات الشركة في السعودية، بمعنى أن بإمكان أي متاجر في الملابس الرياضية تقليد شعار المنتخب وشعار الشركة في شرق آسيا وجلب الكميات والمقاسات وبيعها علانية في السعودية بأسعار زهيدة تتناسب ورداءة الصنع والتقليد دون حسيب أو رقيب. ولذلك يصعب - بل ربما يستحيل - الحصول على ملابس أصلية للمنتخب السعودي، وكم مرة شعرت بالخجل حين يسألني الناس عن كيفية الحصول على تلك الملابس، وكانت المفاجأة أن وجدتها في ألمانيا أيام كأس العالم تباع بسعر يفوق سعر مثيلاتها للمنتخبات الأخرى، وحين سألت جاء الجواب الشافي بأن الكميات المنتجة من ملابس المنتخب السعودي قليلة لعدم إمكانية تسويقها في السعودية بسبب القرصنة، فهل عرفتم كم يعاني الاستثمار الرياضي للمنتخبات والأندية بسبب القرصنة. إنني أوجه نداء عبر هذه الزاوية لكل من له علاقة بموضوع القرصنة - من قريب أو بعيد - بأن يحدد موقفه منها، فإما أن يكون مدافعاً عن حقوق من يملك الحقوق محارباً للقرصنة وتجارها، أو يعلن للملأ بأنه من حماة القرصنة يعين القراصنة على سرقة حقوق الناس وهدر الاستثمار ووضع العراقيل في طريق خصخصة الأندية السعودية، فليس هناك منطقة وسطى بين حماة الاستثمار وحماة القرصنة، فإلى أي الفريقين ينتمي كل فرد على هذه الأرض الطاهرة؟ الجواب لديكم.. وعلى دروب حماية الحقوق نلتقي.