شكّل معيار الجودة تحديا لصناعة المواد الغذائية المحفوظة، بحيث أخذ يوجه كبرى شركات التصنيع الغذائي نحو تخصيص جزء كبير من مواردها المالية نحو الاستثمار في التقنية، بتطوير وإدخال أحدث تقنيات الإنتاج ضمن خطوطها التصنيعية، لتحقيق معادلة جودة المنتج ضمن نطاقات سعرية مناسبة تكفل مستويات منافسة جيدة ضمن قطاع يشهد حاليا أجواء تنافس قوية من قبل مختلف أقطاب الصناعة، خصوصا مع ما تحقق من تبادل تأسيس تلك الشركات لمنصات صناعية لها في أسواق خارجية شملت دولا عربية وأجنبية. وباعتبار الجودة عنصرا أساسيا للمنافسة، دخلت صناعة المواد الغذائية المحفوظة منعطفا جديدا على درجة عالية من الخصوصية فيما يتعلق بشروط تحقيق بيئة إنتاجية تتوفر فيها كافة محددات الصناعة، أي من خلال ما يترتب على المنتج من بناء خطوط إنتاجية على درجة عالية من التقنية، من جهة، وتوفير شروط صحية ترتكز على أدوات مراقبة متطورة، بحيث يتم تطوير واختيار عناصر الإنتاج من مواد أولية وتقنيات آلية وفقا لمعايير صحية وتقنية صارمة، تندرج تحت ما يعرف "ببرامج الجودة" التي تراقب المراحل الإنتاجية المختلفة، بحيث يتم رفدها بكفاءات ومعدات مخبرية متطورة. ويعتبر مدى تطور التقنية الداخلة في صناعة المواد الغذائية الوجه الآخر لجودة المنتج النهائي، لما لها من القدرة على توفير شروط منتج نهائي عالي المواصفات، كيف؟ من خلال وضع نظام متكامل لإدارة الجودة يتألف من جانبين رئيسين يتمثل الأول بتطوير معدات المختبرات المركزية بإدخال أحدث أجهزة قياس الميكروبات وأجهزة قياس الأحياء الدقيقة، أما الجانب الفرعي فهو ما توفره المختبرات الفرعية داخل كل مصنع والموظفة لأخذ عينات من على خطوط الإنتاج مباشرة وفق برنامج اختباري لتقوم بتحليلها وإخضاعها لظروف بيئية قاسية للتأكد من مدى صلاحيتها للمدة المطلوبة وقابليتها للاستهلاك الآدمي خلال فترة صلاحية المنتج. وأمام اتفاق الجميع على أن غاية تطوير تقنية الصناعة الغذائية هي توفير شروط لسلامة صحة المواطن، إلا أنها في الوقت نفسه تتصل أيضا بضمان جودة المواصفات كشرط أساسي لمنتج قادر على المنافسة في الأسواق الداخلية والخارجية، حيث يرى المهندس صالح حفني العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة "حلواني إخوان"، أن هنالك العديد من المعيقات التي وقفت أمام جهود دخول المنتجات العربية إلى الأسواق الأجنبية، ومجملها تجلى في معايير ومواصفات المنتجات المصدرة التي لا تتوفر بها شروط ومقاييس البلد المصدرة إليه، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في تكاليف الحاجة للاستثمار في تقنية أكثر حداثة للإنتاج للتماشي مع معايير سلامة الأغذية أو ضرورة التقيّد بطرق أكثر صرامة للإنتاج. وقدرت دراسة حديثة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا (الأسكوا) تكاليف الامتثال مع شروط نقاط المراقبة الحرجة وتحليل المخاطر (HACCP) لبعض المنتجات الغذائية (الألبان وزيت الزيتون والمشروبات) ب 1.500إلى 4.000ريال لكل دفعة، وذلك حسب المنتج وطريقة الإنتاج المستخدمة، بل وأشارت الدراسة إلى أنه قد تزيد كلفة إقامة مختبر لسلامة الأغذية على درجة عالية من التقنية عن 5.6ملايين ريال، وبناء على أرقام الدراسة، لفت حفني إلى ضرورة وأهمية التعاون والتنسيق ما بين الحكومات والقطاع الخاص للاستجابة إلى الشروط التقنية اللازمة لضمان سلامة وجودة الأغذية في المنطقة. وتقع مساعي تطوير تقنية صناعة المواد الغذائية بحسب حفني ضمن حلقة الإنتاج الكلي للمنتج النهائي والتي يجدها تدور ضمن مسعى الارتقاء بالجودة التي بدورها تفتح أبواب التوسع الصناعي على أوسع أبوابه بتنامي حجم الإنتاج مما بزيد من الحاجة لقنوات تسويقية جديدة بعد اكتفاء السوق المحلي، مما ينعش قنوات التصدير واختراق أسواق إقليمية وعالمية جديدة، الأمر الذي سينعكس على مستوى التوظيف في مجالات الرقابة والتسويق والإعلان والحقوق وكافة نواحي العمل الصناعي، لتكون بذلك جودة المنتج المدعومة بتقنية متطورة أساس نمو الصناعة بشكل مباشر وغير مباشر. وأوضح حفني أن التطور في صناعة الأغذية الذي تشهده أوروبا لم يأت نتيجة رغبة كبيرة بل لكون القطاع يتسم بمنافسة شديدة لم تترك للأوروبيين الخيار بل وضعتهم أمام حاجة ملحة لتطوير مستويات إنتاجية بمواصفات غذائية وصحية عالية كفلتها الجودة في المواد الأولية والتقنية المستخدمة في الصناعة. واعتبر حفني أن صناعة المواد الغذائية المحفوظة في السعودية قد خطت خطوات واسعة وسريعة في طريق صياغة معايير وأنظمة السلامة الغذائية، بتبني عدد كبير من منتجي الأغذية الزراعية المعايير العالمية والتقنية الحديثة وسبل الإنتاج الصحية مما ساهم في زيادة جودة وسلامة وتنافسية منتجاتهم الغذائية.