أتذكر أنني قد قرأت سطوراً منهجية تقويمية للدكتور هشام شرابي - رحمه الله - في سيرته الذاتية "الجمر والرماد" فضح فيها تعامل بعض الجامعات الأميركية وسلوكها التعليمي مع الطلبة العرب، وبالذات طلبة الدراسات العليا، وكيف أنها تسهل لهم كثيراً من أدوات البحوث، والدراسات، وتتسامح معهم في مسألة جودة وعمق التحصيل الأكاديمي، والمعرفي، والثقافي، وتمنحهم الدرجات العالية لأن مجتمعاتهم، ومؤسساتهم التربوية، والثقافية، والفكرية، والإدارية ليس لديها ذلك الحرص، أو الاهتمام، أو الوعي في عملية التقويم، الأمر الذي أغرق العالم العربي، وبالذات منطقة الخليج بحملة شهادات عليا. هم في حقيقة الواقع أميون، جهلة، ربما يكون الفهم، والإدراك، وفعل الثقافة عند بعض طلبة شهادة الثانوية العامة أفضل بكثير مما هو عند هؤلاء. هذه الحقيقة أنتجت - للأسف - تخلفاً مخيفاً في العملية التعليمية، وأوصلت إلى الإدارة، وصناعة القرار التنموي، وصياغة المجتمع، وتنميط مساراته النهضوية عقولاً غير مستوعبة لأدوارها، وواجباتها، ومسؤولياتها، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن يكن مخادعاً لنفسه، ومخادعاً لمجتمعه، وإنسانه، ومحيطه، ومؤسسات المجتمع المدنية. فهو إنسان يجب عليه إعادة النظر في كل مساره الحياتي، وممارسات أن يكون صادقاً وأميناً مع كونه فرداً منتجاً - أو يجب أن يكون منتجاً - في عملية النمو والتنمية. تذكرت سطور المرحوم الدكتور هشام شرابي، عندما قرأت خبر قرار وزير التربية والتعليم والذي حسم حرمان أربعة مديري تعليم، وستة قيادات إدارية في الوزارة، وأكثر من خمسين مشرفاً تربوياً، وعدد كبير من المساعدين ومشرفي المراكز التربوية على مستوى المملكة من استخدام لقب "دكتور" لأن الشهادات التي يحملها "كل" هؤلاء غير معترف بها لأنها من جامعات أقل من متواضعة، وغير معترف بها. معقول. كل هذا العدد الكبير من حملة شهادة الدكتوراه في مرفق واحد، واحد فقط من مرافق الدولة. يحملون شهادات غير معترف بها، وبمعنى آخر فإن فكرهم، ووعيهم، وثقافتهم، وتأهيلهم للمسؤولية التربوية، والقيادية، والتوجيهية هي ناقصة وغير معترف بها. إذن. وقياساً، قياساً متواضعاً.. - كم لدينا في كل أجهزة الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، وجهات أخرى من أميّ يحمل درجة "الدكتوراه"..؟؟ أحسب أن المسألة لا تحتاج إلى كثير تفكير، إذا انها محبطة جداً، ومخيفة جداً. فإذا كان هذا العدد الهائل من حملة الدكتوراه غير المعترف بها في وزارة التربية والتعليم فقط. وهي جهة يفترض أن تكون متميزة ومهابة. فإن الأعداد في غيرها قاتلة. لا بأس - أيضاً - إذا عرفنا أن بعض حملة الدكتوراه حصل عليها من السودان، أو اليمن، أو من جهات في مصر. ارتبك يا مجتمعي..!؟