انطلاقاً من الذاتي إلى ما هو وطني، من الطائفة إلى شكل الدولة، ومن حكاية هوية الفرد إلى تحليل هذه الهوية ودراستها ومعرفة جذورها وكيف تعبر عن نفسها على مستوى لبنان بطوائفه وجماعاته، تغدو الهوية معضلة أزلية في لبنان وحيرة، من المفكر ميشال شيحا - وقبله بالتأكيد- وحتى اللانهاية، الهوية إشكالية أي إنسان اليوم، تكتسب زخماً مضاعفاً هنا، مع تركيز الكاتب على الهوية المارونية، وتشكلاتها وتاريخها، وعلاقتها بالدروز والطوائف الآخرى بشكل عام، ثم يتحدث عن محددات الهويات المسيحية الآخرى، من كاثوليك وأرثوذكس، وأرمن وروم، ثم المسلمين من السنة والشيعة، من بدايات تشكل لبنان، وبشذارت عن الحضارة "الفينيقية" وحتى ما بعد الطائف، وأحاديث عن تشكل 14آذار ومقاربة الأزمة الراهنة من منظور تاريخي في إطار لبنان العام. في البدء كانت حيرته، وثم يختم بالحديث عن حيرة ابنه "نديم" ذاك الذي يذكره بوجه أبيه، ليضع حكاية لبنان، حكاية الهويات الكثيرة، والحيرة الواحدة الممتدة إلى المستقبل، والتي عبر عنها قرب نهاية النص، بقوله عن لحظة ميلاد ابنه: أحسست لحظتئذ أن شيئاً ينتقل مني كبرق خاطف، إلى هذا الكائن الصغير. بداية جاء إصرار "الحاجة سهيلة" على ضرورة تعليم الأولاد أصول الدين، في ظل أب غير مبالي، وأم منهمكة برعاية البيت، ليضيف نكهة جديد على "خلطة" الثقافة التي نشأ فيها "حسام عيتاني" كأي فرد لبناني، فبين الأب الذي يقدم تفسيراً ماركسياً للإسلام، وبين الدراسة في مدرسة للمسيحيين الأرثوذكس بيقينيتها المفرطة، وبين دورس الحاجة سهيلة الشرعية التقليدية، ورمزية الحكاية الشعبية المتداولة عن لقاء الإمام الأوزاعي بالقديس مار الياس، تتجسد حالة يعيشها الكثير من اللبنانيين، كالحياة التي سردها "حازم صاغية" في "هذه ليست سيرة" صاغية الذي ينتمي لطائفة آخرى "روم أرثوذكس" وهوية "عربية" وثقافة "إسلامية" تتجسد بافتخار جدته ب"خالد بن الوليد" كجزء مما تعتنقه من إرث. يعبر عيتاني عن مثلث من التأثيرات المتباينةفي عائلة تنتمي للطبقة "البرجوازية البيروتية" بعلاقتها الفاترة مع الطوائف، والاعتزاز بالاستقلال، وذكرى رياض الصلح وطرد الفرنسيين. يرجع حسام عيتاني جذور المشكلة اللبنانية إلى مسألتي "السلطة والهوية" الممتدة في "التاريخ والإيديولوجية" ومحاولات تجاهل الصلات العميقة مع ما هو متجاوز للحدود وإقليمي منذ بداية الصراع مع السلطة العثمانية وبداية الهيمنة البريطانية والفرنسية، ومع تشكل الهوية اللبنانية التي لم تصل بعد لصورتها النهائية، ومن هنا ترد بعض العبارات لتأكيد ما هو خارجي وإقليمي وغض الطرف عما يقع على عاتق اللبنانيين في محاولة منهم لتنزيه الذات - كما يعبر عيتاني- عبارات ك"حرب الآخرين في لبنان" أو "الحرب الأهلية في لبنان"، وهنا يفند عيتاني ما وصفها ب"البكائيات" التي تدعي أن اللبنانيون أرغموا على الحرب الأهلية، بينما يرى أن الحرب حملت مسحة خلاصية للبنانيين، كلٍ يراها على طريقته وبأسلوبه، وكما يقول عيتاني: كان نشوب الحرب موعد بداية تحقيق آمال الجماعات في الوصول إلى صورتها المثالية. كما يظنون بالتأكيد. في مناقشة الكتاب ل"المعضلة اللبنانية" يحاول أن ينفي ما تعارف عليه الكتاب من وصف حالة لبنان بالفريدة من نوعها والمختلفة والمغايرة، في تأكيد على تمايزها، بينما يؤكد عيتاني أن على اللبنانيون الإقرار بحقيقة أن الأمر الاستثنائي في علاقة الجماعات اللبنانية بالدولة العثمانية من جهة، والقوى الغربية من جهة آخرى، أقل بكثير من الخرافات المؤسسة، ومن هنا يرى وجوب الدخول إلى المسألة اللبنانية كجزء من المسألة الشرقية، كما يشير الكاتب إلى أن الطوائف في لبنان اتخذت صفة القوميات المصغرة، ومن هنا فُتح الباب أمام كل طائفة لبنانية لتفكر في ذاتها كمشروع أمة سابقة للدولة، وتحولت الطائفية إلى قضية هيكلية مع الزمن، في علاقة اتصفت بالاختلاف الدائم والاحتراب المتقطع بين الطوائف، في ظل هوية ظلت تعرف ب"السالب"، هوية غير قابلة للتعريف لا في التاريخ ولا في النظرة إلى المستقبل، وفي حالة من التشكل الدائم. "هويات كثيرة وحيرة واحدة: سيرة لبنانية" بفصوله من "المدخل" وحتى النهاية حيث "المدخل الجديد" نمر بأربعة مناطق: عالم عوالم اللبنانيين، من الجب إلى لبنان الكبير، الحرب، الطائف وما بعده، الكتاب من إصدارت دار الساقي، الطبعة الأولى عام 2007م، ويقع في 245صفحة من القطع الكبير.