أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله عزَّ وجلّ والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. داعياً فضيلته إلى الانشغال بعيوب النفس وترك عيوب الآخرين؛ لأنه يقود إلى التثاقل عن الطاعة ويقود إلى التقصير بما لا ينفع. وهي أمارة عجز وكسل وضعف الصلة بالله. وقال في خطبة الجمعة يوم أمس بالمسجد الحرام: إن المحاسبة هي طريق الصلاح والاشتغال بتقويم النفس سبيل الإصلاح. والمحاسبة والتقويم يتطلب عزيمة ومثابرة وجداً ومصابرة. ومن اشتغل بما لا يفيد انصرف عما يفيد. وأضاف فضيلته أن الأمانة عظيمة والمسؤولية جسيمة والعمر قصير وأعظم الربح هو حفظ الوقت. وخير الغنيمة هو محاسبة النفس. مشيراً فضيلته إلى أنه في هذا الزمن تكاثرت المشكلات وتكالبت المغريات والملهيات فزاحمت الواجبات ونازعت الأوليات. وبيَّن إمام وخطيب المسجد الحرام أنه من الغريب أن النفوس تتلذذ وتسترسل في الخوض بما لا يفيد وتقطيع الوقت بما لا ينفع. وأسرع ما في ذلك تتبع العورات والاشتغال بالعثرات والانصراف إلى النقد غير البناء. وأوضح فضيلته أنه لا يهتم بالصغائر إلا الصغار ولا يفتش عن المساوئ إلا الباطلون. مشيراً أن كثيراً من مشكلات الأمة ومآسيها ليست من مشكلات السياسة ولا في قضايا الاقتصاد ولا في تسلط الأعداء ولكنها في المسؤولية الخاصة على كل نفس. (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". وقال أهل العلم إن هذا الحديث هو أصل عظيم من أصول تهذيب النفس وتزكيتها وقد عده بعضهم بثلث الإسلام وقالوا لقد اجتمع فيه الورع كله. وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنه ترك ما لا يعني لا تقوى عليه إلا القلوب السليمة والنفوس الزاكية التي تنطوي سرائرها على الصفا. وأصحابها في راحة والناس منهم في سلامة. وأشار فضيلته إلى أن أولى ما يجب في ذلك هو ترك فضول التنصت والاستماع وحديث مشونة الكلام. وهي تكون موبقات الألسن وهي أعظم من موبقات الأيدي والأرجل. وقال فضيلته: وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. وأضاف: أن من أعظم الدلائل عن الاشتغال بما لا يعني مدى حفظ العبد للسان والسمع والبصر وصيانته كلامه واذنه. موضحاً فضيلته أن الكلمة في هذا الزمان اتسع ميدانها وتنوعت وسائلها فهي مسموعة ومكتوبة ومشاهدة في صحف ومجلات وإذاعات وقنوات وشبكات معلومات في فضول كلام ولغو حديث من الخوض في أعراض الناس وتتبع عوراتهم والاشتغال بعيوبهم والفرح بسقطاتهم والتلذذ بشاعتها. ومن ذلك التوسع في السؤال عن أموال الناس وأخبارهم ودواخل أمورهم والخاص من شؤونهم من غير داع أو سبب مشروع. ويزداد الأمر هلكة عندما يكون الأمر حول أحوال أهل الخير والصلاح والكفاف والعفاف خصوصاً إذا ما كان من وراء القصد التحريش الخفي والتصنيف الظالم مع غمز وهمز ولمز واتهام بالعقائد والنيات. وأضاف الشيخ بن حميد: أن الانشغال بما لا يعني وتكلم المرء فيما لا يحسنه ولا يتقنه ولا يعلمه ومما لا يدخل في تخصصه وخبرته ومما ليس من مطلوباته وشؤونه. ولو سكت من لا يعرف لقل الخلاف. وقال فضيلته: السكوت في موضعه صفة الرجال. والكلام بمناسبته من أشرف الخصال. والعاقل الناصح يستفتي قلبه ويلتفت إلى صلاح شأنه. ومن مسؤوليات المسلم وخصوصاً طالب العلم والمثقف والمفكر أن لا يغرق في مستجدات العصر وثانوياته وليحرص ويمحص فيما يقرأ ويسمع. فكل مسألة وأمر لا ينبني عليها عمل مفيد فالخوض فيها من التكلف وليحذر من الإفراط في تضييع الوقت والجهد والمال. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الاشتغال بما لا يعني يورث قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق وقسوة القلب ومحق بركة العمر وحرمان العلم وقلة الورع. والله قد كره لكم القيل والقال وكثرة السؤال. وأضاف فضيلته: إن الاشتغال بما لا يعني يقود إلى التثاقل عن الطاعة والتقصير بما ينفع ويصرف عن بواعث الهمم والهروب عن المسؤولية وإمارة عجز وكسل وضعف الصلة بالله وغفلة عن سنّة وجهل بالمصالح. ودعا فضيلته المسلمين إلى ترك ما لا يعني لأنه حفظ للدين وزكاة للنفس وتربية على الجد. والانشغال بعيوب النفس وترك عيوب الآخرين؛ لأن ذلك يورث نور القلب وراحة البال وصفاء الضمير وسلامة الطوية.