باختصار شديد جداً نستطيع أن نقول إن خبر اهتمام مجلس الشورى بإنشاء شركات تقوم بتوفير (عمالة منزلية بنظام الساعات) كان بمثابة مفاجأة سارة لكثير من البيوت السعودية التي عانت، ولا تزال تعاني من العمالة المنزلية التي استقدمتها لتهرب منها، لتضطر إلى العمالة المنزلية الهاربة بأجر مضاعف قد يتجاوز 1500ريال وشروط غاية في القسوة أهمها إجازة نهاية الشهر. وكان هناك فرقة عفاريت تستقبل العمالة القادمة للبيوت، وتتابعها عن طريق الجوالات، ثم تغير مسارها إليها بالتدريج، وتقوم بتوفير السكن لها، وتفتح أمامها أبواب العمل السري بعد أن تكون قد هربت من العمل العلني في بيوت من استقدمها بتأشيرات رسمية. والاقتراح المنشور من عضوي مجلس الشورى عن طريق محمد القويحص، وعبدالله الدوسري يهدف إلى تشجيع إنشاء شركات متخصصة في استقدام العمالة المنزلية تتيح للأسر السعودية الاستفادة من العمالة بصورة مؤقتة حسب احتياجاتها، وبأسعار مناسبة جداً. وهذا الاقتراح ليس جديداً فقد طرحناه عبر تحقيقات "الرياض" الصحفية عدة مرات، وطالبنا بتطبيقه بعد أن امتلأت الصحف بمشاكل استيراد الشغالات، ومتاعب هروب الخادمات، فكان ضرورياً التفكير في حل، أو حلول، وفي مقدمة ذلك توفير عمالة منزلية بنظام الساعات، يتم التعاقد معها من الداخل دون جلب "وضع الدماغ" للتأشيرات، والمقدمات، والمراجعات، وعمليات الانتظار الطويلة، والقصيرة، وعمليات التجارب، ثم معاناة مسلسلات الهروب التي يضيع معها كل شيء وتخسر بسببها البيوت كل شيء؟ شقق سرية وأعمال علنية وتلعب الشقق السرية لتشغيل الخادمات الهاربات دوراً بارزاً في تمويل بيوتنا بما تحتاج من شغالات حسب الطلب، وفي أي وقت، تحت شروط قاسية جداً في مقدمتها أن يكون الراتب مضاعفاً، وأن تحظى (السيدة الشغالة) بإجازة نصف شهرية، وأحياناً تتساهل فتكون الإجازة شهرية، وأن تحصل الشغالة عند انتقالها للسكن السري على بعض المأكولات، والملبوسات، والهدايا التي تحصل عليها من ربة البيت، إضافة لأجرة التكسي ذهاباً وإياباً، وهذه (المزايا) لا تحظى بها الشغالة المستقدمة رسمياً بتأشيرة رسمية لا من حيث الراتب، ولا من حيث الإجازة، ولا من حيث الخروج في الهواء الطلق، ولا حيث اجبارها على العمل، ولذلك تهرب (الشغالة الرسمية) من الباب الخلفي، وتعود لنا من الباب السري؟. ولا نبالغ في القول والجهر والتصريح لو قلنا ان "ثلث بيوت جدة" تتجه للسير في دروب البحث عن "الخادمات الهاربات والمتخلفات" لانقاذها من "شر الحاجة" لخادمة، أو خادمة وسائق إذا كانت الظروف المادية جيدة "رغم ما في تشغيل هذه الفئة من "مخاطرة جمة" تعرفها بعض البيوت، وتتغاضى عنها بعض البيوت الأخرى "تحت وطأة الحاجة خاصة إذا كان في البيت الواحد إمرأة مسنة، وأفراد يتمتعون بكثير من الخمول"... ويحتاج البيت إلى جهد خارجي لانقاذه من معاناته وأزماته، وأمراضه، ومتاعبه...؟ ويدافع أصحاب هذه البيوت عن أنفسهم فيقولون انهم "جربوا" التأشيرات والاستقدام لكن السوق السوداء في الداخل، والإغراءات والرواتب والحريات المفتوحة "سلبتهم" عمالتهم الأصلية فأصبحوا "أسرى" لهذه المخابئ السرية يطلبون منها ما يحتاجونه من عمالة مع اعترافهم بكل المخاطر، والأضرار لكن ليس باليد حيلة..؟ بالمقابل فإن العمالة القادمة تأتي إلينا، وتستقبلها "عصابات" التشغيل المحلية، ذات الطابع السري والعلني - إذا أمكن - وتتيح أمامها فرص العمل بالشروط التي تحددها، وبالطرق والأساليب التي تريدها، وبالإغراءات التي توفرها لهم من اجازات وحريات وزيارات وزيادات في الراتب، وإقامات وسكن وعلاقات مفتوحة ومغلقة...؟ سوء الحظ والاقتراح الجديد ولابد أن نعترف بسوء الحظ الذي يلازم "فرق المداهمات" بشأن كشف المخابئ السرية، والقبض على الخادمات الهاربات، والعمالة المخالفة، ومن يديرها، ويرعاها، ويتستر عليها - كما تجيء المعلومات المنشورة - دون أن تحقق العمليات النجاح المطلوب، والمرغوب في القضاء على هذه المخابئ السرية، وهذه الأفكار، حيث تظهر مخابئ، وأوكار أخرى تمارس نفس الدور، وتقوم بنفس المهمة فيساورك شك كبير اننا لم نتقدم خطوة واحدة نحو حل هذه المشكلة المزمنة، أو التي صارت مزمنة، وأصبحت مستعصية فكلما نجحت مداهمة بالاحاطة بعدد من الشقق، والمخابئ السرية ظهرت أضعافها في مواقع أخرى، ولم يحدث نقص في الامدادات..؟ نظام الساعات يواجه الهاربات ومن قرأ "اقتراح، أو فكرة أو مشروع" عضوي مجلس الشورى بشأن إنشاء شركة، أو مؤسسة تتولى مهمة توفير العمالة المنزلية بنظام الساعات - لا شك - انه أصيب بالسرور "سواء كان ممن عانوا من متاعب، ومشاكل، وأزمات هروب الشغالات"... أو ممن يعانون حالياً من تشغيل الخادمات الهاربات، والمختبئات أو المتحصنات في الشقق السرية، ويحضرن بالطلب، ووفق الشروط المعروفة سلفاً، وغير المعروفة سلفاً..؟ ومصدر السرور هنا لدى الأسر السعودية سببه واضح، ومعروف وهو أن هذه الأسر، وغيرها وغيرها ستجد نفسها تتعامل في "النور" مع العمالة المنزلية بدون ضغوط، أو متاعب أو مشاكل، ويكون التعامل مريحاً ومرضياً للطرفين فيمكن للأسرة الاستمرار في الاستعانة بخادمتها الجديدة في ظل تقدير الأسرة لها، وفي ظل تفاني الخادمة، أو العاملة المنزلية بطلبات الأسرة الاجتماعية، والإنسانية دون إرهاق، أو إزهاق بدل اللجوء إلى الشقق، والمخابئ العلنية والسرية وخوض تجارب غير مضمونة النتائج، واتاحة الفرصة لمزيد من الاستغلال "تحت وقت الحاجة" التي ستحلها العملية الجديدة وهي الحصول على خادمة، أو عاملة منزلية أو سائق، أو حارس بالأسلوب الجديد، البعيد عن التعقيدات وعن التأشيرات وعن الاستقدامات الفاشلة... وكما تجد بعض الأسر ضالتها من الخادمات الهاربات لمواجهة أزماتها فإن الخادمات الهاربات يجدن في ذلك فرصة - لهن - للعمل من ناحية، والاستفادة من ممارسة التدريبات المنزلية ليصبحن مؤهلات فإذا اضطرتهن الظروف كن جاهزات في أي وقت، وبالخبرة، والكفاءة والتدريب المنزلي يكن لهن شأن يزيد من الاقبال عليهن، ويزيد من تحكم سماسرتهن "سواء كانوا رجالاً، أو نساء"... وبالتالي ترتفع الرواتب تلقائياً... وطالما ان بيوتنا جاهزة لهذا الدور، وتقوم به خير قيام فلماذا لا نفكر في "إقامة معهد" يتولى تدريب الأسر السعودية على الأعمال المنزلية من جديد فتستعيد حيويتها، وحركتها ونشاطها وتتجه نحو "خدمة نفسها" بنفسها..؟