(إذا ترتب على القلب توجيه الاسئلة، فعلى العقل الإجابة) @@@ يعصف بك أحياناً فراغ الذاكرة، وتعجز تماماً عن تركيب أي صورة ولو باهتة أو هلامية، عن شخص يقف أمامك، أو تسمعه عبر الهاتف، أو تحدث عنه أحدهم. يتصل عليك شخص: السلام عليكم، مرحباً، مساء الخير، صباح الخير، ترد بعد أن استغربت كل هذا الإقبال منه في التحية، أهلاً ربما بفتور، يتداخل معك احياناً بسرعة، يسألك عن الصحة والعيال ومن حولك، والدنيا، ترد باقتضاب واحياناً بتعجب، والسبب انك لم تعرف هذا المتصل، ولم تتذكر صوته، أو من يكون، على الاطلاق وكلما حاول الضغط عليك وكنت نوعاً ما متحملاً، سايرته فيما هو عام، لكن شعورك بالاحباط يزداد لأنك لم تعرف هذا الشخص المتطفل، أو لأنك تشعر بأن هذا الصوت قد مر عليك أو سمعته من قبل، لكن لا تتذكر صاحبه. البعض يخجل من أن يسأل من أنت في البداية؟ ويظل مدعياً المعرفة حتى والطرف الآخر يكتشف انه غير معروف،لكن يكابر ويقول لا عارفك، وان كان المتصل ثقيلاً والوقت لا يعنيه بشيء، أمسك بنقطة الضعف وظل يلعب على وتر هذا النسيان ويضغط على جهلك به. يرفض أن يقول هو من؟ يحاول أن يشغل ذاكرتك المثقوبة، يذكرك بمواقف، بصور، بملامح، تحاول جاهداً اعادة تركيب تلك الصور بعد ان اصبح التعرف على الشخص إلزامياً، لكنك تعجز عن ذلك تماماً، فتضطر الى استعجاله، للتعطف عليك وإخبارك عن من يكون، المضحك انه عندما يذكر اسمه، أو موقفاً ما تشتعل الذاكرة فجأة وتسيل المواقف والذكريات، أو اللحظات المشتركة، أو تنضح معالم هذا الشخص فجأة. بعد أن تغلق السماعة تشعر بالغضب من نفسك: لماذا؟ وكيف، واسئلة عديدة لكن الأسوأ من ذلك ان البعض نصطدم بهم في الوجه كما يقال ونسلم بعد ان التقينا بهم مرات لكن تباعدت المسافات، وهم في الاصل ليسوا اصدقاء ولكن من بعيد، فنفاجأ اننا قد اضعنا اسماءهم تماماً، واصبحوا مجهولين، ومع ان استخدام الذكاء في هذه الحالة يصبح ضرورياً إلا أن التطويل به يتحول إلى عبث حقيقي، خصوصاً إن ظل في وجهك لساعات، فعليك الاستنجاد بصديق لتذكر اسمه.. في مواقف وفي حفلات تجد نفسك تسأل عن فلان الواقف هناك أعرفه لكن لا اذكر متى التقيته؟ ولا اذكر اسمه على الاطلاق، لكن ملامحه اتذكرها. في المشاهدة تعجز عن تذكر صاحبة صورة امامك، أو موقف تشعر انك في حالة مسح مستمر، وعدم قدرة على التذكر، فتستعين بصديق. ولكن قد تتذكر ذلك الاسم أو الموقف بعد أيام، إن ظللت اسير التفكير به، وصارعت من اجل الوصول إليه. هناك ثقافة لبعض الجدات اسمها ثقافة "يامسءمك" بمعنى يا اسمك أتذكرها منذ ان كنت طفلة كانت جدتي وخالاتي وحتى الآن بعض صديقاتي في مدينتي البعيدة يمارسونها عند النسيان وتأتي في السياق دون توقف، فمثلاً تتحدث امرأة "يامسمك رحت المكان الفلاني" ولا يتحسس احد لعدم ذكر اسمه، أو نسيانه، أو يتوقف ليعاتب الآخر لماذا لا تناديني بإسمي الذي تعرفه. صديقة لي في الأربعين من عمرها حدثتني منذ أيام وفي منتصف المكالمة "قالت لي يا مسمك" شعرت انني أعبر معها الحديث دون توقف أو مطالبة باحترام اسمي. صديقة اخرى مشهورة بالنسيان لم تصل إلى الأربعين ودكتورة شهيرة في الجامعة عزمتني في احدى المرات على عشاء، وفي الطريق اليها اتصلت من اجل ان اخبرها انني قريبة من المنزل ولم ترد على الجوال، فعاودت الاتصال ولكنها لم ترد، اتصلت على هاتف المنزل، رد زوجها وقال انها نائمة من بعد ان صلت العشاء ولن تستيقظ إلا صباح الغد اتصلت بعدها على صديقتين معي في العزيمة واتضح انهما لم يغادرا بعد، واخبرتهما بإلغاء الموعد، وعدت إلى المنزل، دون ان اغضب، في اليوم التالي حدثتني تضحك بأنها نسيت تماماً انها عزمتنا، ومر الموقف، بعد ان طالبتني بعلاج للنسيان رغم تفوقها في مجالها الاكاديمي. أعتقد ان النسيان لا علاقة له بالسن، ربما بالاجهاد، ربما لعدم تنشيط الذاكرة باستمرار، ولكن لا أعرف: هل نحن ننسى بالإرادة؟ أم لا؟ هل تتعمد الذاكرة نسيان اشخاص معينين؟ ولماذا نتمنى احياناً ان تفقد الذاكرة لياقتها عندما نجد بعض الأشخاص وأن تغيّبهم؟ ومع ذلك هناك كما اعتقد نسيان سريع وخاطف كالفلاش، ونسيان متصل ومتقطع ولا يرتبط بسن أو مكان أو زمان. لكن مع ازدياد الظاهرة يوصي العلماء بتناول الشاي الأخضر لأنه يزيد من كفاءة الذاكرة، وضرورة تقليل الجهد، وأخذ نفس عميق بين وقت وآخر، واستخدام اليوجا، وممارسة التمارين الرياضية، وتناول زيت السمك والمواد المقاومة للاكسدة وفيتامين B - مع محاولة تنشيط الذاكرة عن طريق حل الألغاز والكلمات المتقاطعة والاشتراك في دروس ليلية كما أن تناول فطور متكامل يساعد على تقوية الذاكرة. واخيراً اخذ قسط كاف من النوم حتى يتمكن الذهن من التفكير الجيد وتذكر ما هو غائب.