السوق الصحي السعودي لا يزال مغريا لجلب الاستثمارات ورؤوس الاموال من كل مكان، فالطلب على مرافق القطاع الصحي الخاص ازداد بعد تطبيق التأمين الصحي الإلزامي على غير السعوديين وسيتزايد أيضا بعد تطبيقه على السعوديين. وازدياد الطلب يقابله شح في العرض بسبب قلة عدد المستشفيات الخاصة مما يعني أن الفرصة متاحة الآن لإنشاء المستشفيات وتأسيس استثمارات صحية عملاقة. رغم كل هذه المحفزات الإيجابية للدخول في السوق فإن ما يحدث على أرض الواقع هو العكس تماما فرؤوس الأموال المحلية المهتمة بالاستثمار في القطاع الصحي استثمرت فائض أرباحها في السعودية للتوسع خارجها. في إحدى الدول العربية الشقيقة توقع المتخصصون ازدياد حجم الاستثمارات الصحية السعودية فيها خلال السنوات العشر المقبلة إلى الضعف. والعديد من الدول الأخرى استقطبت المستثمرين السعوديين وفتحت لهم الباب بأقل الضوابط والشروط. وليس هناك اعتراض على الاستثمار الخارجي، ولكن عندما يكون هناك اكتفاء وطني أولا وعندما يكون هناك مبررات اقتصادية لتصدير هذا الاستثمار. والمبررات الاقتصادية لاستقرار الاستثمار في البلد أكثر وضوحا ،ولكن خلف هذه الشاشة البراقة توجد أسباب بعضها ظاهر وبعضها خفي تعيق دخول الاستثمارات الصحية إلى السوق السعودي. قبل عامين أو أكثر تناقلت الصحف نية شركتين صحيتين لطرح جزء من أسهمهما للاكتتاب العام، وحتى الآن لم تطرح أي من الشركتين. وهناك اخبار عن إنشاء شركات تجمع بين مستثمرين في القطاع الصحي، ولكن لم تر مشاريعها النور حتى الآن، والشركات الأجنبية ترقب الوضع بحذر. كل هذه الدلائل تدعو إلى المسارعة بدراسة وضع الاستثمار الصحي في المملكة لتحسينه وتطويره حتى يكون داعما للتوجهات المتوقعة نحو الخصخصة وشمولية التأمين الصحي. توطين الاستثمار والدعوة إليه لا يعني إطلاق الزمام للاستغلال والتلاعب بالأنظمة والتسهيلات، ولكنه يعني الاستثمار الموجه الذي يعمل على معالجة النقص والقصور في الخدمات الصحية العامة ويصل إلى المستفيدين في كافة المحافظات ويتجنب الانتشار العشوائي الذي وقعت فيه المستوصفات والصيدليات الخاصة في المدن الرئيسية، كما يعني الاستثمار المقنن الذي يخضع لمعايير اعتماد الجودة الصحية العالمية والوطنية ولأنظمة عادلة تحمي مقدم الخدمة الصحية ومستقبلها. والوضع المثالي للاستثمار يمكن الوصول إليه عبر مبادرات تقوم بها المؤسسات الحكومية المعنية كالهيئة العامة للاستثمار ووزارة الصحة ووزارة العمل وغيرها من المؤسسات الأخرى لتذليل عقبات الاستثمار وتبسيط إجراءاته وتمويله، والغرف التجارية الصناعية مدعوة للقيام بدورها الحيوي لتحفيز الاستثمار والجلوس مع الجهات المختصة لمناقشة معوقاته، فالتحركات الحالية هي جهود فردية من اعضاء في الغرف وليست جهودا مؤسساتية منظمة تمثل صوتا واحدا للمنتمين إلى مجال القطاع الصحي الخاص. ومن المفيد في هذا الوقت بالذات إقامة ملتقى دولي للاستثمار الصحي في المملكة يسوق للاستثمار في هذا القطاع ويبحث عوائقه ويجمع المستثمرين في ورش عمل مع ممثلين لجميع الجهات الحكومية المعنية للخروج بحلول عملية عاجلة لتشجيع الاستثمار. فالحلول العملية، لا التوصيات الورقية ، والنوايا الصادقة لتحسين الوضع ستعيد بمشيئة الله الطيور الاستثمارية المهاجرة إلى عشها ووطنها المليئ بالخيرات التي تحتاج فقط إلى تذليل العقبات.