من تمام نعمة الله تعالى علينا في هذه البلاد الطاهرة، ما قامت عليه هذه البلاد المباركة في تحكيم شريعة الله والتحاكم إليها، وتمكين القضاء من القيام بدوره ومسؤولياته في تحقيق العدالة ورفع الظلم وصيانة الحرمات وردع المجرمين والمحافظة على مقدرات الأمة؛ حيث يعد القضاء في الإسلام ركناً من أركان الدولة وجزءاً أساسياً من مقومات المجتمع، ولهذا عملت الدولة منذعهد الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - على العناية بمرفق القضاء والتوثيق تأسيساً وإدارة، وأولت هذه الدولة في هذا العهد الزاهر لخادم الحرمين حفظه الله جل الرعاية والاهتمام بمرفق القضاء ومؤسساته إيماناً منها بضرورة إقامة العدل ورفع الجور والظلم والفصل في الخصومات بشريعة الله. لقد رصد الإصدار الخاص لمجلة اليمامة: في عددها الأسبوع الماضي جانباً مهماً من جهود وزارة العدل الرامية إلى نشر الثقافة العدلية وتوفير المعلومة اللازمة عن مرفق العدالة وبيان المنهج المناسب الذي يسير عليه القضاء في بلد الحرمين الشريفين الذي ينطلق من هدي الوحيين. - الكتاب والسنة - وتفعيل رجالات القضاء لمعانيهما وتحقيق مقاصدهما وأحكامهما على وقائع الناس وأقضيتهم، وتنفيذ الأحكام لتحقيق إقامة العدل في محيط المجتمع بمعناه الحقيقي بما يؤكد على النهج الواضح للمملكة العربية السعودية في قضائها خاصة؛ ونحن نشهد اليوم تطوراً شاملاً نشطاً لبلادنا المباركة يلحظه القاصي والداني في كل مجالات الحياة اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وتطوير البنى التحتية للبلاد، وتحديث الأنظمة ونشر ثقافة الحوار بين الأجيال العائدة بالتكميل لمنجزات النهضة والتنمية بقيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده حفظهما الله تعالى، وقد برزت وزارة العدل حاضرة نشطة ضمن سياقات هذا التطوير الشامل بداية بصدور الأنظمة العدلية (نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المحاماة ونظام السجل العيني للعقار) ثم جاء إقرار النظام القضائي الجديد الذي أسس المحاكم المتخصصة (الجزائية - العمالية - الأحوال الشخصية - التجارية - ودوائر للمرور والإثباتات) وذلك لمواكبة مستجدات العصر وحاجات الناس المتجددة بتطوير يقوم على قواعد الشرع وأحكامه الشرعية المنبثقة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما برزت سمات النظام الجديد في ضمان الاستقلالية الكاملة للقضاء ورفع مستوى الضمانات القضائية من خلال تعدد درجات التقاضي إلى ثلاث درجات (محاكم الدرجة الأولى - محاكم الاستئناف - المحكمة العليا)، ولا شك أن هذا النهج التطويري القائم على أرض صلبة من المضامين العليا الشرعية والبيئة العدلية المحققة لمقاصد الشارع في الحكم والقضاء كفيلة بإذن الله تعالى بتأصيل النوازل ووضع القواعد في نطاق العمل القضائي فقهاً وتنظيماً؛ وذلك باجتماع المعنيين من أصحاب الفضيلة القضاة وكتاب العدل وأعوانهم لصناعة منظومة وظيفية تكاملية يضمن من خلالها سلامة المخرجات وضمانات الحقوق لدى المستفيدين، كما أن الوزارة تسير وفق خطة شاملة بتجسيد المشروع العدلي على أرض الواقع من خلال إعداد خطة إستراتيجية لتطوير مرفق العدالة في الجوانب الإدارية والتقنية والفنية من خلال المحاور التالية: البيئة العدلية - الكوادر البشرية - الإجراءات العدلية - الثقافة القضائية، والتركيز على تأهيل القوى العاملة من خلال الدورات والمحاضرات داخل المملكة وخارجها، والعناية باستكمال تقنية المعلومات تمهيداً للدخول في منظومة الحكومة الإلكترونية لهذه البلاد الطاهرة. إن هذا الإطار العام للإستراتيجية المهمة لتطوير مرفق العدالة والتوثيق في جوانبه الإجرائية والإدارية والتقنية من الأهمية التي تتطلب مشاركة واسعة من الخبراء والمختصين والمهتمين بمرفق العدالة بما يمكن الوزارة من إنجاز هذا المشروع في ظل (مشروع الملك/ عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء) هذا المشروع المبارك الذي سوف يحقق نقلة نوعية في مرفق العدالة والتوثيق بمتابعة واهتمام من معالي وزير العدل الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، راجين أن تحقق هذه الجهود خدمة العدل من خلال تحديث المؤسسات القضائية هيكلياً وتنظيمياً ضماناً لإرساء العدالة وحماية مكتسبات الأفراد وحفظ حقوقهم. نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يثبت خطانا في سعينا في خدمة دينه وشرعه، والقيام بالقسط على الوجه الذي يرضيه عنا، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه خير العباد والبلاد إنه سميع مجيب.