بفيضٍ من مشاعر الحب والوفاء احتضنت الشرقية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإخوانه قادة دول مجلس التعاون الخليجي في زيارة تاريخية تعددت مناسباتها وفعالياتها ما بين الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتداخلت أبعادها ما بين البعد الوطني والخليجي والعربي والدولي. لبست الشرقية أبهى حللها؛ وهي تستقبل القائد الذي اقترن بزيارته لمناطق المملكة المختلفة الخير والفأل الحسن، القائد الذي يلتقي مواطنيه دائماً حاملاً لهم البشرى بمستقبل جديد يرسم الملك (عبدالله) ملامحه بهدوء وثقة وثبات في كل مناحي الحياة بدءً ببناء الإنسان السعودي وتطوير قدراته ومهاراته وتمكينه من أدوات العلم والمعرفة العصرية، مروراً بإطلاق طاقات الاقتصاد الوطني وفتح الآفاق أمام توسع روافده من خلال مزيج من إستراتيجيات التطوير والتحديث للأنظمة والسياسات وتعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية والتقنية مع شركاء المملكة وأصدقائها عبر العالم، وانتهاء بتدشين مرحلة تنموية جديدة تعم خيراتها ومشروعاتها العملاقة التنموية والخدمية كل شبر على امتداد الوطن الغالي. استقبلت الشرقية خادم الحرمين الشريفين بالفرحة وحق لها أن تفرح كما - قال أميرها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز - وهي ترحب بالمليك القائد بالحب والوفاء والولاء لقيادته الحكيمة التي تسير بسفينة الوطن إلى مرافئ جديدة من الأمن والأمان والخير والازدهار. فزيارات الملك عبدالله إلى مناطق المملكة المختلفة ولقاءاته المباشرة مع المواطنين بمختلف شرائحهم وفئاتهم، مشهد وطني يجسد روح الأسرة الواحدة التي قام عليها هذا الوطن، وصورة من صور التلاحم الفريد بين القيادة والشعب، فخادم الحرمين الشريفين عرف بتواضعه وحبه لشعبه وحسه الإنساني المرهف ولمساته ومبادراته التي تجسد قيم التواصل والتراحم التي هي جزء أصيل من نهج الحكم الإسلامي السعودي الذي أرسى دعائمه وقواعده الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه. لقاء مع الأشقاء: كل هذه المعاني والمضامين كانت حاضرة في الزيارة الملكية الميمونة التي بدأت بفعالية سياسية كبرى تمثلت في انعقاد القمة التشاورية العاشرة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي؛ وذلك اللقاء الدوري الذي يجمع الأشقاء للتفاكر والتشاور حول الأحداث والتطورات الجارية، ومتابعة تنفيذ قرارات المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون دون التقيد بجدول أعمال محدد وبلا بروتكول مقيّد؛ والقمة التشاورية تقليد يعكس بالفعل عمق العلاقات الخليجية والروابط الأخوية والأسرية بين قادة دول مجلس التعاون وشعوبهم. لقد بحثت القمة التشاورية مجمل القضايا الإقليمية والدولية، وأوضح البيان الصادر عن لقاء القمة بأن القادة عبروا عن دعمهم ومساندتهم للحوار الوطني اللبناني، والجهود الرامية لحل الأزمة في لبنان بما يحقق الأمن والاستقرار والرخاء للشعب اللبناني، وبارك القادة توقيع الاتفاق الخاص بتنقل المواطنين بالبطاقة الشخصية بين المملكة ودولة قطر كخطوة على طريق استكمال حرية تنقل المواطنين بين دول مجلس التعاون. كما عبر القادة عن سرورهم بالتوقيع النهائي بين مملكة البحرين ودولة قطر لتشييد "جسر المحبة" بين البلدين الشقيقين تحقيقاً لتطلعات الشعبين لتعزيز أواصر الترابط بين أبناء دول المجلس. وأشاد القادة الخليجيون بما تم إنجازه على صعيد مسيرة التكامل مؤكدين تصميمهم على استكمال خطوات هذه المسيرة، وناقشت القمة التشاورية، آخر تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية خصوصاً الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والعراق والسودان والصومال، وجددوا التأكيد على موقف دول مجلس التعاون الثابت المساند لحق دولة الإمارات العربية المتحدة في اتخاذ كافة الإجراءات السلمية لاستعادة سيادتها الكاملة على جزرها الثلاث التي تحتلها إيران. وأكد المجلس الأعلى في قمته التشاورية على التزام دول المجلس بدعم جهود إيجاد حل سلمي لمشكلة الملف النووي الإيراني والعمل على إبقاء منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل مع الإقرار بحق دول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية؛ وأكدت قمة (الدمام) على التمسك باحترام وحدة وسيادة واستقلال العراق، والحفاظ على هويته العربية والإسلامية، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وأكد بيان القمة أن قادة مجلس التعاون يرون أن تحقيق الأمن والاستقرار في العراق يتطلب حلاً سياسياً وأمنياً يعالج جذور الأزمة، ويطفئ نيران الفتنة الطائفية والإرهاب ويحقق المصالحة الوطنية، وفي الشأن الفلسطيني جدد قادة دول مجلس التعاون تمسكهم بمبادرة السلام العربية، وحذروا من خطورة تجاهل إسرائيل لمساعي السلام العربية والدولية، والاستمرار في بناء وتوسيع المستوطنات وتهويد مدينة القدس وإغلاق المعابر وفرض الحصار على قطاع غزة، كما أكد القادة على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها أساس حماية الحقوق الفلسطينية. ودعوا القادة الفلسطينيين إلى العودة إلى مبادئ اتفاق مكة. عرس أرامكو انتهاء اجتماع القمة الخليجية التشاورية في قصر الخليج بالدمام كان إيذاناً بانتهاء فعالية وبداية أخرى في جدول زيارة خادم الحرمين الشريفين للشرقية، فعصر الثلاثاء الماضي رعى المليك المفدى بحضور إخوانه جلالة العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة وصاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزارة لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عمان، وصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، رعى حفل شركة أرامكو السعودية بمناسبة مرور 75عاماً على انطلاقة صناعة النفط في المملكة وتأسيس شركةأرامكو التي تقف اليوم شاهداً على نهضة المملكة كأكبر منتج ومصدر للبترول في العالم. وقد خاطب خادم الحرمين الشريفين المهرجان الكبير الذي أقامته أرامكو بهذه المناسبة فأكد على الدور الريادي الذي لعبه هذه الصرح العملاق في التنمية الوطنية، وبدأ المليك المفدى كلمته بحمد الله قائلاً: أقول بعد شكر الله شكراً بعدد لحظات 75عاماً لوقود التنمية الوطنية مادة وإنساناً، فشكراً أرامكو رجالاً ونساءً جيلاً فجيل. ومضى خادم الحرمين الشريفين مستعرضاً أهم ملامح مسيرة أرامكو وإنجازاتها قائلاًقبل 75عاماً وإلى اليوم كانت أعظم نعم الله علينا الإسلام، وهو خير ما نعتز به. وكنا في ذلك الوقت على مشارف إكمال وحدة وطنية واستيعاب مرحلة اقتصادية أكرمنا الله بها فما أنبل تلك الوحدة، وما أكرم تلك المرحلة التي حملتنا دورنا الإنساني لنؤثر ونتأثر بكل أمر نافع فلم نستوحش ولم نتأخر عن التصدي لدورنا وواجبنا التاريخي عربياً وإسلامياً ودولياً. وخاطب خادم الحرمن الشريفين بطل التوحيد والتأسيس وصانع إنجاز أرامكو الأول الملك عبدالعزيز يرحمه الله قائلاً: لك يا صانع الوحدة - بعد الله - والسعي إلى الطاقة لنظرتك الثاقبة، لك يا موحد النفوس ويا صانع الدولة ويا والد الشعب الأبي لك يا عبدالعزيز ولرجالك أعظم شكر وأنبل عرفان وأكرم ذكرى. ومضى الملك عبدالله في تعداد مناقب الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - ورؤيته البعيدة المدى وهو يرسم لبلده أولى خطوات تطوره وتقدمه فقال: لقد حرص الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عند توقيعه اتفاقية الامتياز 1352ه على أن تحتوي تلك الاتفاقية على أفضل الشروط التي تضمنت مصالح شعب المملكة، وتضمن توظيف وتدريب أبنائها لتشغيل هذه الشركة العملاقة في المستقبل مع تفهم كامل لأهمية المصالح المشتركة مع الشركات صاحبة الامتياز لتتحول هذه الشركة تدريجياً إلى شركة سعودية متكاملة متصدرة لشركات البترول العالمية في درجة تكاملها وإدارتها، وقال الملك عبدالله إن الدولة هيأت لشركة (أرامكو) ظروف نجاح وتميز لمنح الشركة المرونة اللازمة لوضع الخطط لتنطلق الشركة في توطين التقنية والاستفادة من الخبرات الدولية في المجالات المطلوبة. واختتم الملك عبدالله قائلاً: إن زيارتنا اليوم ما هي إلا زيارة لدور تنموي وطني بل وسياسي أيضاً بما سعت وتسعى إليه هذه الشركة السعودية بكفاءة لتكون رافداً مهماً من روافد السياسة السعودية الدولية في مجال توفير الطاقة لمواجهة الأزمات العالمية، وستظل كذلك إن شاء الله. التاريخ يعيد نفسه: وفي كلمته في الحفل الحاشد رحب معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي بخادم الحرمين الشريفين وإخوانه من قادة دول مجلس التعاون في مدينة الظهران؛ حيث تدار أكبر صناعة للبترول في العالم؛ وقال معاليه إن التاريخ الجميل يعيد نفسه بحضور خادم الحرمين الشريفين الرائع؛ كما كان حضور الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه إلى نفس المكان منذ أكثر من 60عاماً. وسرد معالي وزير البترول والثروة المعدنية قصة اكتشاف النفط في المملكة منذ توقيع اتفاق امتياز التنقيب سنة 1933م، وقال معاليه إن توقيع تلك الاتفاقية شكلت تحولاً هائلاً في تاريخ الجزيرة العربية. ومنذ اكتشاف البئر المنتجة الأولى أصبحت المملكة دولة ذات ثقل اقتصادي عالمي كبير؛ إضافة لمكانتها الدينية الكبيرة. وقال معاليه إن المملكة تسهم في خير ورفاه العالم عبر إمدادات الطاقة والسياسة البترولية الإيجابية والمعتدلة، وأوضح أن مشروعات المملكة ومرافقها النفطية قد أصبحت تنتشر فيما وراء المحيطات. كما تنتشر بالمملكة؛ حيث لا تغيب الشمس عن هذه المشروعات والمرافق. وعبّر معاليه عن فخر واعتزاز منسوبي أرامكو بالدعم والرعاية التي تجدها أرامكو في خادم الحرمين الشريفين ومؤازرته لأعمالها ومشروعاتها؛ ونوه بسلسلة المشروعات الجديدة التي يجري تنفيذها في مناطق المملكة المختلفة. كما نوه معاليه بإنجازات أرامكو في مجال تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية السعودية التي باتت تشكل 86% من العاملين في الشركة. وتحدث في الحفل الكبير رئيس شركة أرامكو الأستاذ عبدالله بن صالح جمعة مؤكداً أنه لم يمر يوم خلال العقود الماضية دون أن يضاف جديد إلى هذا الصرح الذي أرسى قواعده الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه - وأكد معاليه أن أرامكو تتربع اليوم على عرش صناعة البترول العالمية لتكون مبعثاً للفخر وموضعاً للتقدير الدولي بما حققته من إنجازات غير مسبوقة في تطوير الثروة النفطية والثروة الإنسانية. وأعلن رئيس أرامكو عن تفضل خادم الحرمين الشريفين بوضع حجر الأساس لمركز الملك عبدالعزيز للإثراء المعرفي كصرح حضاري ومعلم وطني يخدم احتياجات المجتمع المعرفية والثقافية والإبداعية. وبعد الحفل الخطابي توجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز وضيوفه الكرام إلى مقر احتفال عائلات موظفي شركة أرامكو؛ حيث استقبل أيده الله - بكثير من الحفاوة والترحيب؛ وقد أعاد هذا المشهد صوراً من زيارة الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - للظهران 1947م بمشاركة عدد ممن حضروا تلك الزيارة، وهم في سن الطفولة في لقاء الملك عبدالله بأسر العاملين في أرامكو. مشروعات خير ونماء زيارة خادم الحرمين الشريفين للشرقية كانت أيضاً مناسبة من مناسبات التنمية الوطنية الكبرى بما دشنه - يحفظه الله - من مشروعات جديدة اقتصادية وخدمية في الجبيل الصناعية بالإضافة لوضع حجر الأساس لمشاريع استثمارية بقيمة تزيد على 80مليار، وتشمل المشروعات قطاعات سكنية واستثمارات صناعية وتجارية منها مشروع الواجهة البحرية بالفناتير، ومشروع إسكان شركة سابك بحي دارين وتدشين المرحلة الأولى من مشروع إسكان موظفي الهيئة الملكية بحي (جلمودة) والذي يضم نحو 700وحدة سكنية. ومن منظومة المشاريع الجديدة توسعة مستشفى الهيئة الملكية، وتدشين توسعة ميناء الملك فهد الصناعي؛ بالإضافة لوضع حجر الأساس لمشروع جامعة الهيئة الملكية والعديد من المشروعات التعليمية والصحية بالشرقية.