مزاج الناخب الأميركي في هذه الانتخابات الرئاسية متقلب ومتغير في نفس الوقت. فعدد من القضايا الهامة الملحّة والحساسة تتجاذبه كما تتنافس على الاستحواذ على اهتمامه. فاستطلاعات الرأي العام المكثفة التي تحاول تلمس هموم واهتمامات الناخب الأميركي تشير إلى عدد من القضايا يأتي على رأسها: الاقتصاد الأميركي الذي يواجه ركوداً قوياً، فآثار العولمة الاقتصادية واتفاقيات التبادل التجاري الدولية التي أدت إلى تحويل مئات الآلاف من الوظائف إلى السوق العالمي في آسيا وأميركا اللاتينية والمكسيك، مما أدى إلى تدهور سوق العمالة. الأرقام التي صدرت في 7مارس 2008تشير إلى خسارة الاقتصاد الأميركي ل 63ألف وظيفة في شهر فبراير الماضي. وفي نفس الوقت ينهار سوق العقارات الأمر الذي يلقي بظلاله على مالكي المنازل الذين يفقد عدد كبير منهم منازلهم شهرياً نتيجة لتدهور سوق العمالة وتضاعف أقساطهم الشهرية بسبب ما يسمى بمشكلة "الرهن العقاري" التي أطاحت بسوق القروض المنزلية ذات الفوائد الفاحشة. كما يعاني الاقتصاد من حالة نزيف حاد في شكل 2مليار دولار أسبوعيا تخرج من ميزانية الدولة لتصرف على الحرب في العراق، في شكل مصاريف عملياتية وإدارية أميركية وعراقية وليس في مشاريع تصنيعية عسكرية تدور أموالها في داخل الاقتصاد الأميركي كما كان هو الحال في الحروب الأميركية السابقة. ولهذا نجد أنه حسب استطلاعات غالوب في 5مارس 2008فإن 84بالمائة من الأميركيين يعتقدون أن الوضع الاقتصادي يسير من سيئ إلى أسوأ، وأن 20بالمائة فقط من الأميركيين يعتقدون أن الاقتصاد الأميركي ممتاز أو جيد. أضف إلى ذلك الحرب الأميركية في العراق وما سببته من إجهاد عسكري ومدني، نفسي ومادي ومعنوي للمجتمع الأميركي الأمر الذي من شأنه تعميق حالة الانقسام والتشرذم السياسي والتخندق الحزبي. كما تزيد حدة المواقف العالمية المناوئة للولايات المتحدة "لماذا يكرهوننا؟" تعميق حالة الإحباط لدى الناخب الأميركي جراء النظرة العالمية السلبية تجاه بلاده مما يزيد حالة الاستقطاب بينه وبين العالم. فأميركا والأميركيون الذين كانوا محل ترحيب واحتفاء في العالم أصبحوا اليوم "المنبوذين" بين أترابهم في العالم. ولهذا نجد أنه في ما يخص موقع الولاياتالمتحدة في العالم يشير استطلاع غالوب أن 30بالمائة فقط من الأميركيين راضون عن موقع أميركا في العالم اليوم. وهي أقل نسبة على الإطلاق في تاريخ استطلاعات غالوب. وإذا أضفنا إلى كل ذلك هاجس وقوع عمليات إرهابية على التراب الأميركي الذي لا يزال حياً وقوياً بعد مرور ستة أعوام وإن كان ليس بنفس القوة التي كان عليها من قبل. ولا يمكن أن ننسى الحرب المفتوحة نتيجة لتلك "الحرب على الإرهاب" والتي تحاول الإدارة الأميركية عن طريقها تحقيق ما يمكن أن نسميه "العمليات أو الحرب الوقائية" وهي جهود عسكرية وجنائية واستخباراتية ودبلوماسية تهدف إلى احتواء الإرهاب العالمي والتعامل معه بعيداً عن التراب الأميركي. فحسب استطلاعات جرت عام 2006نجد 74بالمائة الناخبين الأميركيين يخشون من حصول المزيد من الهجمات الإرهابية الكبيرة على الأراضي الأميركية. ولا يمكننا أن ننسى التشرذم والانقسام المجتمعي السياسي والثقافي الذي يعانيه الناخب الأميركي على مدى العشرين عاما الماضية. انقسام بين التيارات المحافظة والمعتدلة والليبرالية. بين الاتجاهات الدينية المنظمة التي تحاول فرض أجندتها واللوبيات المصلحية السياسية والاقتصادية التي تسعى للدفع بمصالحها والمحافظة على مكتسباتها في نفس الوقت. والمجموعات الليبرالية التي ترى أن المجتمع الأميركي مجتمع متعدد الأعراق والأديان فتسعى جاهدة إلى تقليص الدور المتعاظم للتيارات الدينية المسيحية التي تشعر بخطر ذوبانها في البوتقة الأميركية العلمانية أو فقدان هويتها لصالح أديان أخرى. آخر الاستطلاعات من مؤسسة (كلير بوليتكس) الذي جرى في 5مارس 2008تعكس مزاج الناخب الأميركي وتشير بوضوح إلى ما يشغله. يسأل الاستطلاع الناخب الأميركي: هل تعتقد أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح أو الخاطئ، تسفر النتيجة عن 68.3بالمائة من الناخبين يقولون إنها تسير في الاتجاه الخاطئ مقابل 23بالمائة فقط يعتقدون أنها تسير في الاتجاه الصحيح بفارق 45بالمائة من النقاط. وهو فارق كبير بكل المعايير مقارنة مع 40بالمائة فقط في عام 1997يعتقدون أنها تسير في الاتجاه الخاطئ. استياء الناخب الأميركي من الوضع الراهن لا يتوقف عند ذلك فقط، فعند سؤاله عن رأيه في الرئيس الحالي جورج بوش، نجد أن 62.6بالمائة لا يوافقون على أدائه، مقارنة بنسبة 31.3بالمائة فقط الذين يوافقون على أدائه، بفارق 30.7بالمائة من النقاط. استياء الناخب الأميركي لا يتوقف عند الفرع التنفيذي فقط من الحكومة بل يتعداه إلى الجهاز التشريعي أيضاً، ف 67.7بالمائة من الناخبين الأميركيين لا يوافقون على أداء الكونغرس بشقيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، في حين يوافق 24.7بالمائة فقط على الأداء. بفارق يصل إلى 40بالمائة من النقاط. الصدى الذي تلقاه دعوة التغيير التي يحمل لواءها السيناتور بارك أوباما تمتد جذورها إلى هذه القضايا التي تشغل بال الناخب الأميركي الذي يبحث عن بديل سياسي للإدارة الحالية يقدّم سياسات وحلول جديدة للمشاكل المتراكمة والتي تثقل كاهل المواطن الأميركي في عالم تتقوى فيه المنافسة الاقتصادية وتبحث فيه المشاكل السياسية العالمية فيه عن حلول بعيداً عن الحروب والصدامات التي تعتبر سمة السنوات الثماني الماضية. وهذا يفسر الإقبال المكثف والمنقطع النظير على المشاركة في الانتخابات التمهيدية الحالية خصوصاً الديمقراطية منها. @(خدمةACT خاص ب"الرياض")