بدأت طبول الحرب تقرع من جديد في منطقة الشرق الأوسط، كل من يراقب ويتابع الأخبار والأحداث سيعثر على مؤشرات كثيرة تقوده في هذا الاتجاه، فالمناورات العسكرية التي قامت بها إسرائيل على حدودها الشمالية، جاءت بعد عامين من هزيمتها على أيدي المقاومة اللبنانية، وفي الوقت الذي ترتفع قيه أصوات للقيام بتوجيه ضربة عسكرية لحزب الله وسوريا إذا ما تدخلت الأخيرة. وحسب ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الهدف من هذا هو تحضير الجيش والسكان إلى إمكانية وقوع حرب مع سوريا بأسلحة غير تقليدية مثل الصواريخ التي قد تكون مزودة برؤوس كيماوية أو جرثومية بالإضافة إلى صواريخ الكاتيوشا التي استعملتها المقاومة اللبنانية في الحرب الماضية. ثم هناك التوتر القائم بين إيرانوالولاياتالمتحدة والذي تغذيه إسرائيل، والكل يعرف أن عواقب مثل هذه الحرب ستكون وخيمة على المنطقة ككل. هذا التوتر خطر إذا ما تطور، وإذا ما اعتقد جورج بوش أنه يريد أن ينهي فترة حكمه بحرب جديدة تجبر الرئيس القادم لأمريكا على الدخول في صراع مسلح أو العمل سنوات طوالاً لحل هذه المشكلة. ويكون هدف بوش من وراء ذلك برهنة صدق خطر تفكيره أو محاولة منه إظهار أنه يمكن توجيه ضربة عسكرية لسوريا وحزب الله وإيران تعيد إلى قلوب سكان المنطقة ثقافة الهزيمة التي بدأوا يتخلصون منها في أعقاب حرب لبنان الثانية. ثم هناك الصراع اللبناني - اللبناني والذي تقوده عوامل ونزعات إقليمية وعربية، وذلك بسبب الفراغ الرئاسي، الذي يمنع الوصول إلى حل لهذه المعضلة والتي قد تتطور إلى حرب أهلية تكون إسرائيل طرفاً خفياً فيها، والتي تعتبر أن وجود ميلشيا مقاومة بحجم حزب الله بجوارها يشكل خطراً مستمراً عليها حسب رئاستها العسكرية والسياسية وحتى الاجتماعية. وتعتقد إسرائيل أنه لا يمكن في مثل هذه الأوضاع والتحركات أن يكون الموقف الإيراني محايداً. وطبعاً هناك الحرب الدائرة في العراق، والتي استطاع الاستعمار الأمريكي تطويرها لتصبح صراعاً شيعياً - شيعياً، استغله كل من الجنرال ديفيد بيتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق وسفير أمريكا لدى بغداد راين كروكر في شهادتهما أمام الكونغرس ( 8و 9نيسان/ أبريل 2008م) ليبرهنا أن حكومة المالكي تسير "في الطريق الصحيح"،. ومع ذلك فإن المقاومة العراقية لا تزال موجهة في جوهرها ضد الاحتلال، والذي لا يتمثل فقط بالجنود الأجانب المتواجدين على أرض الرافدين، بل أيضاً ضد العناصر العراقية التي تساند وتدعم الاحتلال. فإسرائيل رغم الإنقسام القائم فيها معنية بحرب تنتصر بها انتصاراً يعيدها إلى مركز القيادة في فرض مواقفها، كما حدث في حرب 1967م. إلا أن هناك انقساماً قائماً داخل صفوف قيادتها العسكرية والسياسية. فالقيادة السياسية ترى أن أي حرب يجب أن تكون بتنسيق ودعم عملي من جانب إدارة بوش كي تضمن انتصاراً عسكرياً سياسياً. إلا أن إدارة بوش والتي تعد عداً تنازلياً أيام بقائها في الحكم لا يمكن لها، رغم رغبتها الشديدة، من خوض مغامرة بدون دعم دولي. وهي تعرف أن حصولها على مثل هذا الدعم شبه مستحيل بسبب ضياع مصداقيتها، وبسبب أن العالم غير مستعد لدخول حرب من أجل دعم سياسة بوش ورغبة إسرائيل فيها. والنظرة السياسية الإسرائيلية مبنية على أساس أنه في حالة عدم مشاركة أمريكا العملية فإن أية نتيجة سيكون لها وقع سلبي على المواطنين اليهود. أما القيادة العسكرية والتي يتزعمها أيهود باراك، فإنه يظهر من مواقفها المعلنة أنه يجب توجيه ضربة عسكرية لحزب الله ولسوريا إذا ما تدخلت، بدون مساعدة أمريكية لأن هذا هو السبيل لإقناع الشعب في إسرائيل "بعودة الأمور إلى طبيعتها كما كانت قبل حرب حزيران/ يونيو 2006م على الحدود الشمالية" حسب تعبير القيادة العسكرية الإسرائيلية. فحسب اعتقاد هذه القيادة أيضاً أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي فقد تشارك عملياً أو بتزويد حزب الله وسوريا بأسلحة متطورة وهذا سيدفع الولاياتالمتحدة للمشاركة العملية في مثل هذا الصراع، وليس كشرط أولي قبل المبادرة الإسرائيلية. هذا السيناريو فيه الكثير من علامات السؤال. في مقدمتها امكانية إسرائيل القيام بحرب خاطفة تنتصر فيها انتصاراً ساحقاً لا يسمح للجانب الآخر إمكانية الرد، وهذا وارد فقط إذا استعملت إسرائيل أسلحة غير تقليدية. كما أن المراهنة على المشاركة العملية لقوات أمريكية فيها الكثير من التساؤلات في مرحلة انتخابات الرئاسة الأمريكية. إضافة إلى أن المشاركة الفعلية لقوات إيرانية أمر غير واقعي إذا ما أخذنا في حساباتنا الأوضاع الإقليمية التي تمر بها المنطقة. ولكن التاريخ يعلمنا أن إسرائيل المغامرة قد تقوم بأي عمل وتضع أمريكا وغيرها من الدول المؤيدة لها أمام الأمر الواقع. فهل ستستطيع إسرائيل توريط أمريكا كما ورطتها في العراق؟