توطئة * تعرضت نجد لمراحل مجهولة من تاريخها مما جعل كثيرا من التخرص والتوهم ينتشران حول تاريخ بلدانها، ومرد ذلك انعدام الأخبار التاريخية التي سطرت في بطون التواريخ النجدية لكثير من تلك البلدان، وكذلك الضعف الشديد في متون الوثائق التاريخية التي عُنيت بتوثيق ماله مساس بالحياة الاجتماعية والاقتصادية لساكني تلك البلدان. لذلك تحيط بالباحث استفهامات كثيرة، عندما يكتب عن واحدة من تلك البلدان، وخاصة التي لم تكن مسرحا لأحداث مدونة. ونحن نلقي الضوء في هذه العجالة على واحدة من البلدان التي لها امتداد تاريخي متصل، ولكن لم يحالفها حظ النمو والازدهار، لكن الإشارات التاريخية المتباعدة حفظت لنا الاسم في ذاكرة التاريخ. الاسم والموقع الخيس بكسر الخاء وسكون الياء وجمعها أخياس، وهو اسم لكل مكان التف فيه الشجر والنخل(1). وعند العامة كل بستان من النخل حديث الغرس فهو خيسٌ. ومنه قول الشيخ احمد المنقور(2):...الوباء الكثير ثم العنقر في الخيس.اه والعنقر دويبة من الحشرات تدخل إلى جذع النخلة الصغيرة وتقتات عليها فتجف النخلة شيئا فشيئا حتى تموت. وأظنه مما فات المعاجم العربية إثباته في مادة (خيس). وبلدة الخيس بلدة صغيرة من بلدان نجد ثم سدير ثم منيخ. وحسب التقسيم الإداري الحديث فهي من مراكز محافظة المجمعة. تقع في الجزء الشمالي الغربي من سدير، وتبعد عن المجمعة خمسة وعشرين كيلا تقريبا، في الجهة الغربية منحازة إلى الشمال. وتقع بين بلدتي العمار والرويضة التي تضاف إليها فيقال: رويضة الخيس. ويقع إلى الشمال منها بنحو خمسة عشر كيلا بلدة الغاط، التي ترتبط معها بحكم القرب المكاني بصلات وثيقة وقديمة. وتقع الخيس على ضفاف واديها الذي يسمى (شعيب الخيس) الذي يصب سيله في وادي المشقر وتحديدا في سد وادي المشقر. وتقع بين جبلين الأول الجبل الشمالي والثاني الجبل الجنوبي. وتقع الخيس بين جبال وتلال ذات حجارة صلدة صلبة، وذلك الذي دعا حميدان الشويعر أن يصفها فيقول(3): والخيس بويليد مسقى ضبيب لاجي له بوعرة والبويليد تصغير بالود وهو الحديد بالفارسية(4)، ومسقى أي أن الحديد غمس في الماء بعد عرضه على النار ليزداد صلابة وقوة. فأهلها لا يستطيعون التوسع في الغرس والسكنى. والضب الذي لجأ إلى مكان وعر يحفر فيه جحره تكلُّ أضفاره، وتخور قواه وهو يحفر، فيكون جحره قريب المورد، لكنه صعب المأخذ. وهكذا أهل الخيس في بلدهم. ورغم صعوبة تضاريسه ووعورة أرضه وبعده عن الطرق إلا أنه بقي مأهولا، والسبب في ذلك توفر الماء، فماؤه قريب المأخذ لا ينضب عند القحط وتتابع الجدب. لذلك بقي منزلا يرتاده خلق بعد خلق، فالماء عصب الحياة، وهو أهون موجود واعز مفقود. الخيس في المصادرالقديمة ظنت المصادر التاريخية النجدية بأي ذكر لهذه البلدة، ولعل ذلك راجع لموقعها البعيد عن مواقع التدوين والأحداث، وكونها لم تكن مكانا لأحداث تاريخية تدون وتسير بها الركبان. لكن كتب البلدانيات ذكرتها ذكرا عابرا دون تفصيل. فقد ذكرها لغدة (5) فقال: ثم حرمة ثم الخيس وهي كلها بالكرمة.اه وقال الفيروزآبادي(6): والخيس موضع باليمامة.اه وقال ياقوت(7): الخيس بالكسر من نواحي اليمامة.اه استيطانه تعاقب على بلاد نجد قبائل مختلفة مما جعل تتبع منازل تلك القبائل القديمة وربطها بما بعدها أمر عسير. وقد نص لغدة على أن الخيس من منازل الرباب(8). وكان لهم منازل كثيرة في سدير، ولكنهم تركوا الخيس كما تركوا غيره من المواضع. ولاشك أن أقواما كثيرين قد استوطنوا الخيس وبقي لنا من هؤلاء الأقوام بعض آثار ظاهرة ومنها: موضع يسمى خَرءطَم ولعل ذلك لأنه يشابه الخرطوم، فهو ممتد في تجويف الجبل ويقع على ضفة الوادي الشمالية، وهو على يمين الذاهب إلى الخيس الآن. ورغم صغر المساحة التي يمكن البناء عليها فقد عمد أهله إلى أن ضيقوا الطرق ورصوا البيوت. وتدل أكوام الحجارة على أنه منزل قديم هجر لسبب لا نعرفه ولا نعرف هل سكن أهله موضعا آخر في الخيس أم هجروه؟ موضع يسمى خَرَيءبة تصغير خَربة، ويقع مقابلا لخرطم ويفصل بينهما الوادي وأثاره باقية. وهو موضع يقع في فسحة من الأرض أتاحت لأهله قربا من مزارعهم واتساعا في مساكنهم، وقد أحيطت البلدة بسور محكم مركن بأبراج للحماية والمراقبة، واتصل ذلك السور بكثير من المزارع القريبة للبلدة. ولا يزال جامع البلدة وكثير من المنازل واضحة المعالم تنبئك عن أزمان غابرة عانى فيها الأجداد شظف العيش وقسوته. ولا نعلم تحديدا متى تم البناء فيه،وأقام به أهله مدة طويلة حتى داهمهم سيل عظيم فدخل إلى البلدة، فانتقلوا منه إلى موضع أحصن وأحفظ من السيل، وسموه برزانا لبروزه على سفح الجبل، وكان ذلك في حدود سنة 1350ه. وهو الموقع الذي تحتله البلدة الآن. والخيس لا يساعد موقعه وتضاريسه على التوسع في العمران والاستيطان لذلك بقي قليل السكان محدود الموارد، ويظهر ذلك في حجم المواقع الاستيطانية التي تم رصدها. وفي الإحصاءات السكانية القديم منها والمعاصر يرد ذكر الخيس فمن ذلك ما ذكره لوريمر(9) حيث اثبت سكان الخيس يوم أن كانوا في موضع خريبة فقال : به 40منزلا، 14من بني تميم، 10من عنزة، 10من سبيع، 5آخرون. ونلاحظ أن المعلومات التي استقاها لوريمر مغلوطة، فليس في الخيس في تلك السنوات التي وضع فيها كتابه قبل 1330ه تقريبا أسر تنتمي إلى قبيلتي عنزة أو سبيع، بل جل أهله من بني تميم وبني خالد وشمر. أما المؤرخ إبراهيم بن عيسى(10) فقد قدر رجال الخيس بنحو خمسين رجلا. أما الآلوسي(11) فقد ذكر أن عدد منازل الخيس 100منزل. ولاشك أنه رقم مبالغ فيه، بدليل عدد المساكن التي في موقع خريبة. وقد جاءت نتائج التعداد السكاني الذي أجرى سنة 1425ه كما يلي(12): عدد المساكن المشغولة : 30مسكنا السكان السعوديون : 260نسمة غير السعوديين : 20نسمة المجموع : 280نسمة أما الأسر التي تسكن الخيس فهي كثيرة، منها أسر انقرضت وبادت، وأسر أخرى انتقلت منه. ومن الأسر التي تسكن الخيس مرتبة على حروف المعجم: الروساء من آل حديثة من بني العنبر من تميم الرويس من الروسة من عتيبة السيف من آل حميد من بني خالد الشنيفي من آل حميد من بني خالد الضعيان من آل حميد من بني خالد الهبدان من الجماز من بني العنبر من بني تميم الوليعي من عبدة من شمر ومن الأسر التي انتقلت من الخيس: البديوي من الظفير وقد سكنوا الخيس إلى حدود 1250ه ثم انتقلوا إلى حرمة. السنتلي وهم من السنادلة واحدهم سندلي الذين منهم آل سيف أهل الخيس من آل حميد من بني خالد. واسم السنتلي الأكثر نطقه قديما في وثائق السنادلة بالدال، وقد ورد بالتاء في بعض الوثائق منها وثيقة مدونة في الغاط سنة 1270ه. وانتقلوا من الخيس إلى عنيزة ثم استقروا في عيون الجواء. الخيس في كتب الرحالة مر بالخيس من الرحالة الأجانب : وليم بلجريف سنة 1862م(13) وقد وصف موقعها دون ذكر اسمها. كما ذكرها الرحالة باركلي رونكيير في رحلته سنة 1912م(14) وقد ذكرها لويمر فقال : قرية عادية من قرى سدير. معالم ومواضع في الخيس من المعالم التي في الخيس الموقعان القديمان وهما: خرطم وخريبة. كما توجد في أعلى الجبل الشمالي دوائر حجرية قديمة، كالتي نراها منتشرة في كثير من المواضع في نجد. وهي تدل على الاستيطان المبكر. وقد تم مسحها من قبل فريق الآثار التابع لوكالة الآثار والمتاحف(13). مرقب الخيس ويقع في أعلى الجبل الشمالي. وكان يرصد جميع التحركات خارج البلدة حماية لها وإنذارا عن أي خطر يداهم البلدة وأهلها. القريان واحدها قري وهي من مراعي ومفالي أهل الخيس. حاضر الخيس مثله مثل كثير من البلدان الصغيرة والبعيدة عن المدن الكبيرة فقد انتقل كثير من أهله إلى المدن القريبة وخاصة المجمعة بحكم القرب وتوافر فرص التعليم والتوظيف والخيس الآن به مركز تابع لمحافظة المجمعة و به مدرستان ابتدائيتان واحدة للبنين افتتحت سنة 1378ه وأخرى للبنات افتتحت سنة 1405ه