تعتبر الرواية من أهم العناصر التي يمكن من خلالها النفاذ إلى عالم الإنسان الفسيح في أشكاله المتنوعة تبعاً لاختلاف الظروف والبيئات وتعدد الألوان والأذواق وكافة التباينات الموجودة على وجه الأرض إذا ما كتبت بشكل عميق وشامل للمسائل التي أوجدت من أجلها، وهذا ما يجعل الرواية في سباق مع الزمن والمتغيرات الحياتية متى ما روعيت فيها محاولة المواكبة والتوجه إلى الساحة الأكبر في الكون العام، وقد شدت القارئ منذ وجودها حتى الراهن من الوقت الحالي، وقد برز كاتبون عالميون في الرواية حيث تردد اسماؤهم بإعجاب عند شرائح متنوعة من القارئين في كافة أنحاء العالم وبلغات مختلفة عبر الترجمات التي تسود الساحة متى كان العمل الروائي قد جاء ليضيف شيئاً جديداً وجدياً للقارئ. من الروايات التي كانت ولازالت تتفاعل مع القارئين عبر الترجمات مع لغتها الاصلية روايات الكاتب الأسباني (البرتوباثكث - فيكيروا) وقد ترجم منها إلى اللغة العربية ثلاث هي (طوارق، وعيون الطوارق، وآبنوس) واستولت على مساحة كبيرة من قبول القارئين واقبالهم عليها لما احتوت عليه من المواضيع التي تشد وتستقطب وتدفع الى الملاحقة لمعرفة الهدف والبعد الحقيقي للعمل، وكان أن جعل من الصحراء ميداناً لكتاباته الروائية بحكم معايشته لها وتنقله عبر الصحراء الكبرى واختلاطه بأهلها من الطوارق حيث خالطهم وعرف الكثير من العادات والتقاليد والأعراف عن قرب، وقد كان يرسم بدقة متناهية عبر قلمه الأحداث والتصورات واقعياً، ولا يغيب عنه احترافه ككاتب روائي توظيف الخيال المتماهي مع الواقع في خلق صورة مجسمة ذات ابعاد انسانية تحاكي الواقع وتتخلله في عمق يشي بالتفاعل ومحاولة التعامل مع العمل وكأنه هو المراد والمتخيل للجميع، وقد كانت (طوارق) تحكي حياة (غزال: الطارقي) وكيف أنه تصدى للجميع وعمل الشيء الكثير من أجل أن يسترد كرامته التي انتهكت بقتل ضيفه في بيته الصحراوي وخطف مرافقه، فهناك صور وأحداث تجسم الحياة الصحراوية بأبعادها مع رسم العادات والتقاليد والجماليات التي تتخلل حياة الصحراوي مع اظهار القدرات والمفارقات بين الحضارة والصحراء والتضحيات والمخاطر التي يتعرض لها ويتعرض لها المقابل وفي النهاية تذهب حياته من أجل عرف سنته الصحراء لأهلها.. وتكون (عيون الطوارق) تكملة لرحلة لأب غزال عبر شخصية ابنه (غزال صياح..) وتكون الاحداث متنامية مع تغيرات الحياة حتى في الصحراء التي تطالها حالة التغيير الحديث ولو عن طريق الآخر وتكون الأشياء للجديد مماثلة لحال سابقه في محاولة تطبيق قانون الصحراء حتى نهاية المطاف المشابهة لنهاية والده، اما (آبنوس) فهي في الصحراء ولكن من زاوية اخرى استدعى فيها صور الرق والعبودية وصيد البشر وبيعهم بطريقة تنتفي فيها انسانية الإنسان وطرق واساليب الكر والفر المعنوي بين المتسلط والمستكين، وكل ذلك تأتى عبر سطور قائمة على شفافية تسطع من خلالها المعاني الدقيقة في تحديد الرسم المتنامي الدال على قدرات الكاتب في التسلل الى قلوب وعقول المتلقين في أي مكان ومن يستطيع ذلك هو القادر على الدوران المتسع في فلك الحياة العامة للإنسان الباحث أبداً عن المعرفة والجديد، واعطائه خفايا وأسرار تلك الدائرة المتسعة دائماً.