تعني الرأسمالية نظاما اقتصاديا يستند إلى هيمنة الأفراد والقطاع الخاص على ملكية وسائل أو عناصر الإنتاج كرأس المال والعمل والأرض، بغرض الربح. ويتبع ذلك أن أهم آلية تحدد توزيع الموارد والاستثمار والأسعار هي السوق، ولذا تسمى الرأسمالية أحيانا باقتصاد السوق. واتخذت الرأسمالية صورة مؤسسية قانونية في الغرب خلال الفترة بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت الثورة الصناعية، التي صحبتها تغيرات سياسية وثقافية واجتماعية. وكان النظام الإقطاعي هو السائد في الغرب قبل الرأسمالية، وكانت توجد زمن النظام الإقطاعي بعض صور الملكية الفردية، ولكن بصورة أقل تنظيما، وبحماية قانونية ضعيفة. الرأي السائد لدى المؤرخين الاقتصاديين الغربيين أن احتكاك الغرب بالمسلمين إبان ازدهار الحضارة الإسلامية كان له أثر كبير في تعريف الغرب بميزات اقتصاد السوق والملكية الفردية، وهي أهم مبادئ تقوم عليها الرأسمالية، وبمعنى آخر أن الغرب تعرف على مبادئ النظام الرأسمالي من المسلمين. ولا شك أن النظام الاقتصادي السائد في المجتمعات الإسلامية تغلب عليه سيادة الملكية الخاصة، وهيمنة الأفراد والشركاء على عناصر الإنتاج، وهذا ما يتفق مع الأحكام الشرعية، من حيث المبدأ والأصل، وإلا فهناك استثناءات. طبعا ليست كل الممارسات التجارية في المجتمعات الإسلامية خالية من المخالفات الشرعية، ولم يطبق الغرب ما كان عند المسلمين بحذافيره. عامة اقتصادات العالم، وعلى رأسها الاقتصادات الغربية، توصف في الوقت الحاضر بأنها اقتصادات مختلطة mixed economics. فيها تكون حرية السوق هي الأصل، مع إخضاع كثير من قوى السوق لتنظيمات وقوانين السلطة، وبعض عناصر الإنتاج تمتلكها الحكومات لاعتبارات كثيرة من حقوقية واقتصادية وسياسية، وهي اعتبارات تتفاوت شكلا وقوة بين الدول. وعلى هذا فإن النقاش حول الرأسمالية ليست له قيمة تحليلية في الوقت الحاضر، بالنظر إلى التطورات والتغيرات الكبيرة، والتي جعلت رأسمالية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر جزءا من التاريخ. وكثير من الكتاب المعاصرين وخاصة من يكتبون عن الاقتصاد الإسلامي يتصورون أو يصورون الاقتصادات الغربية حاليا، بالصورة التي كانت عليها الرأسمالية أيام كارل ماركس وآدم سميث. وهذا غلط كبير. وكثير من أقسام الاقتصاد تدرس أو تتعرض لأفكار هذين، ضمن دراسة تاريخ التطور الاقتصادي في الغرب، وهناك أقسام لا تدرس أفكارهما أصلا. ينبغي فهم الفكر الرأسمالي وتطور الرأسمالية في إطار فهم تطور الاقتصاد وتطور حقوق العمال. ذلك لأن التطور الصناعي وتطور الاتصالات والمواصلات في القرون السابع والثامن والتاسع عشر كان بسيطا مقارنة بالقرن العشرين، ولم تكن هناك منشآت لها قدرة على الهيمنة على الأسواق أو اليد العاملة، وكانت القوانين والأحكام الخاصة بالعمل وحقوق العمال كأيام الإجازات وساعات العمل والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي أصلا ضعيفة. طبيعة التوسع والتطور الصناعي والتقني في الغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حفزت منشآت إلى تكوين تكتل trust لتسهيل أعمالها وزيادة أرباحها. وقد جنحت هذه التكتلات إلى التضييق على دخول المنافسين بهدف إبقاء الأسعار أعلى من الأسعار التنافسية، هذه الأحداث دفعت المشرعين في دول غربية إلى إصدار قوانين سميت antitrust والتي تعني مكافحة التكتل والاحتكار. وتوسعت هذه القوانين مع الوقت لتشمل تصحيح تشوهات السوق، ومكافحة الممارسات المعطلة لقواه، وحماية المستهلكين، قد أصبحت هذه القوانين، من كثرتها وتشعبها وتعقيدها، مثل البستان الضخم الذي نما من بذور بحجم قبضة اليد. ومع ذلك فإن مكافحة الاحتكار ليست خالية من العيوب، فقد يرى كثيرون أن الاحتكار أو التكتل يجلب، في حالات، تحسينا في الكفاءة الاقتصادية. أما من جهة العمال، فقد طورت العديد من الدول مع مرور السنين مجموعة واسعة من التشريعات التي أعطت مزيدا من الحقوق والمزايا للعمال، وكان لنقابات وأحزاب العمال نصيبها الواضح في هذه التطورات. @ دكتوراه في الاقتصاد، متخصص في الاقتصاد الكلي والمالية العامة