لا يختلف اثنان على أن قضايا الأخطاء الطبية أصبحت هاجساً لمن وقعت عليه، إذ أن إجراءات التحقيق والحكم فيها تأخذ وقتا طويلاً، وبعد هذه الفترة يأتي القرار غير متناسب مع جسامة الخطأ الطبي في مضمونه، إذ عادة ما تكون التعويضات بالآلاف والجزاءات الأخرى لا تتجاوز الإنذار أو إنهاء التعاقد مع المتسبب في هذا الخطأ أو ما شابه ذلك، دون أن تكون هناك جزاءات رادعة كالغرامة الجسيمة، مع العلم أن نتائج هذه الأخطاء عادة جسيمة، ومنها التلف أو الإعاقة أو الوفاة، وذلك مقارنة بما يحدث في دول الأنظمة المقارنة والتي أجزم كل الجزم أنها ليست أحرص من ديننا الحنيف على إنصاف المتضرر بما يحقق مبدأي العدالة والمساواة، ولا أشك أن هذه الأنظمة المقارنة قد نحت إلى إيقاع عقوبات رادعة قد تصل إلى التعويضات بملايين الريالات، فضلا عن العقوبات الأخرى التي تنال المتسببين بهذه الأخطاء الطبية من ممارسين ومؤسسات وشركات طبية كل بما ثبت عليه بالأدلة والقرائن، ومن ذلك حتما تقارير الخبراء المختصين فنيا. إن ضآلة الجزاءات الموقعة على المتسببين في قضايا الأخطاء الطبية، جعلت الممارس الصحي لا يأخذ الحيطة والحذر اللازمين لأداء الالتزام المهني بالعناية المطلوبة نظاماً، وهذا خلافاً لما قررته المادة (15) من نظام مزاولة المهن الصحية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 59وتاريخ 1426/4/11ه التي تنص على: "يجب على الممارس الصحي أن يجري التشخيص بالعناية اللازمة مستعيناً بالوسائل الفنية الملائمة وبمن تستدعي ظروف الحالة الاستعانة بهم من الإخصائيين أو المساعدين وأن يقدم ما يطلبه من تقارير عن حالته الصحية ونتائج الفحوصات مراعياً في ذلك الدقة والموضوعية". إن ما دعاني إلى كتابة هذا المقال ما شاهدته أخيراً على عدد من الوسائل الإعلامية سواء المرئية أو المكتوبة من حالات في عدد من قضايا الأخطاء الطبية والتي تتشكى مما انتهت إليه اللجنة الطبية الشرعية من تقارير، إذ يرون أن الجزاءات التي وردت بهذه التقارير لا تتناسب البته مع ما وقع على تلك الحالات من ضرر سواء بدنياً أو معنوياً لا سيما، وأن هذا الضرر قد يصل إلى حد فقد الحياة، وليس أبلغ من الحالات التي شاهدناها على القناة الرياضية السعودية في برنامج 99في حلقة يوم الاثنين الموافق 1429/4/22ه والذي تضمن عدداً من حالات الأخطاء الطبية، ولا يفوتني بهذا المقام إلا أن أشيد بهذا البرنامج ومعده ومقدمه، كما لا أنسى أن أشيد بضيف البرنامج الكاتب المتألق سعد الدوسري على أمانته المهنية والتي قادته للمناقشة والحوار بأسلوب واضح وشفاف ودقيق في إظهار الحقائق. وأخيراً.. أوجه هذا النداء الخاص لمعالي وزير العدل والذي تعودنا منه الحرص على مبدأي العدل والمساواة، بسرعة الإيعاز للمحاكم الشرعية المختصة القائمة حالياً بالنظر في قضايا الأخطاء الطبية والحكم فيها، طالما أن المادة (172) من نظام الإجراءات الجزائية قد منحت المحكمة الصلاحية الكاملة في ندب خبير أو أكثر لإبداء الرأي في مسألة فنية متعلقة بهذه القضايا، وذلك تطبيقاً لمقتضى المادة (25) من نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 78وتاريخ 1428/9/19ه التي تنص على: "دون إخلال بما يقضي به نظام ديوان المظالم، تختص المحاكم بالفصل في جميع القضايا، وفق قواعد اختصاص المحاكم المبينة في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية". @مستشار قانوني ومحكم معتمد