كان من ضمن الإجراءات العقابية في نجد - قديماً - أن يجري إبعاد المنتهك أو المدان الذي اعتبر مذنباً أو "اللي ممشاه غير مرضىّ عنه" أي سلوكه غير مقبول أو له آراء وتوجهات لا تتمشى مع النماذج والمعايير والقواعد التي ارتآها المجتمع صحيحة ومُقرة. ولنأت إلى المفردة أو الجملة التي درجت في زمن مضى. فنقول: فلان مجَلّى (بسكون الميم وفتح الجيم وتشديد لام الألف) وتعنى أن فلاناً طُلب منه مغادرة البلدة.. إلى حيث يختار، ولا يعود .. واستعمل المفردة الاستعمار الانجليزي، لكنه سماها "نفياً" عندما نفى عدداً من الشعراء إلى جزر خارج بلادهم. ثم ظهرت عبارة "النفي الاختياري" أو SELF-EXILE ومعناها أن الملاحقة والضجر والكدر جعلت المرء يختار مكاناً غير وطنه. وكلمة"مجلّى" التي جاءت في الفقرة الثانية هي اشتقاق فصيح من الجلاء أي المغادرة أو الرحيل. آتي الآن إلى المفارقة. فقد كان العقاب نفياً أو إجلاء. لكنه الآن لم يعد قائماً. وقد حلّ محله "المنع من السفر" فمعظم البلدان العربية تحتفظ بقوائم اسمها "قوائم الممنوعين من السفر" أي عكس العقاب القديم.. الجلاء، أو النفي.